آداب السفر قد ذكرتُ عدداً منها، وهي أربعة عشر أدباً:- الأدب الأول: أن يكتب المسلم وصيته، فإن السفر قطعة من العذاب، وإن الأسفار هي عرضة للأخطار، فكم من الناس من يودع أهله عله أن يصل إلى مكة فيموت في أثناء الطريق، ويودع الدنيا بكاملها.
ومن هنا كان لزاماً على المسلم إذا أراد أن ينطلق إلى مكة أن يكتب وصيته، فيكتب ما يحتاج إليه، فإن بعض الناس يكون صحيحاً، وإذا نزل به الموت قال: ليتني كتبتُ الوصية، وأوصيت بثلث مالي في الجهاد، أو في الإنفاق في سيبل الله، أو في التبرع في أعمال الخير من توزيعٍ لكتبٍ أو أشرطةٍ أو غير ذلك.
ما دمتَ صحيحاً فأوصِ بثلث مالك، حتى إذا نزل بك الموت نفَّذ أهلك تلك الوصية، وبَقِيَتْ في ميزان حسناتك وأنت لا تدري.
فما إن يفعل المسلم ذلك حتى يترقى في درجات الجنة، إن أدركه الموت أو أدركته المنون، في طريقه وفي سفره.
وإن كل إنسان قد يكون عليه نوع من الديون، أو أنه قد وضع بعضاً من أمواله عند بعض الناس، فإذا كتب وصيته ذكر فيها الديون التي عليه والديون التي له، حتى إذا مات استطاع أهله أن يسددوا ما عليه من الدين، واستطاع أهله أن يأخذوا حقوقهم من عند الآخرين، فإن كثيراً من الناس لو قلت له: اكتب وصيتك، قال: فأل الله ولا فألك! تريدني أن أموت حتى أكتب الوصية! هذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الدنيا لا شك أنها موضع للأخطار والفتن، وموضع لتغير الأحوال؛ سرعان ما يسير الإنسان في طريقه في مجتمعه ومكانه فينزل به الموت ويودع الدنيا، وبعضهم يقول: يا ليتني كتبت! ويا ليتني عملت، فكان الأولى للمسافر أن يكتب وصيته.