[حول الأحداث]
أولاً: نقول: إن هذه الأحداث التي أحدقت بأمتنا بينت لنا أننا أمة في حاجة إلى الرجوع إلى علم الشرع، ونقصد بذلك علم الكتاب والسنة، لسنا في حاجة للعلوم الدنيوية؛ فإن العلوم الدنيوية أستطيع بأن آتي بأي شخص يفيدني فيها، أما علوم الشرع فلا أستطيع أن أستعين بقوى الكفر، أو بقوى الشرق والغرب حتى يبينوا أصول ديننا.
تركنا النبي صلى الله عليه وسلم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، ولما أحدقت بنا الفتن أصبح الناس يتخبطون يمنة ويسرة.
ما المخرج من هذه الفتنة؟ وإذا بهم نسوا ما ترك لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي: كتاب الله وسنتي) فصلى الله عليه وسلم.
إن الله قد ترك لنا هذا النور الذي أرسله على يدي نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، فجعل من استضاء بنور الشرع مستضيئاً بنور الله تعالى، أما كثير من الناس فقد تنكبوا عن علوم الشرع، ونسوا علم الكتاب والسنة، فلما جاءتهم الفتنة التفتوا يمنة ويسرة فلم يجدوا لهم مخرجاً، فنقول: علينا بالرجوع الصادق للعلم الشرعي.
ثم نقول: إن الكلام حول العلم الشرعي وأهميته يحتاج إلى محاضرة مستقلة، ولكن نسرد بعض هذه الملاحظات حول هذه الأحداث.
ثانياً: تبين لنا بأننا في حاجة لعقيدة إسلامية صافية ناصعة بيضاء، يستضيء الناس بنورها، إن كثيراً من الناس قد أهملوا دروس العقيدة والاهتمام بالعلم الشرعي، ورأوا أنهم قد استغنوا عن العلم لما انطلقوا للأشياء المادية، وهذا من جهلهم؛ فإن أمتنا لطالما قلنا: إنها أمة العقيدة.
إن العقيدة يجب أن تسري في جسد الإنسان كما يسري الدم في جسده، لذا يجب علينا أن نرجع إلى هذه العقيدة رجعة صادقة، وهذا ما سنتوسع فيه.
اهتم كثير من المسلمين بالعلوم المادية، ولم يفكر كثير من الناس بهذا الدين، ولذا قلصت علوم الإسلام في الدراسات والتعليم، وانحصرت اهتمامات الناس بعلوم الدنيا، وعلوم العقيدة تنشأ مع الإنسان وهو طفل ثم يتدرج بعد ذلك فتضأل ثم تضعف، حتى إذا بلغ مستوى الجامعة لم يدرس عقيدةً، ولم يدر ما هي العقيدة الصحيحة، ولا المنهج المستقيم، مما يدلنا على جهلنا بعقيدتنا الإسلامية.
عقيدتنا يجب أن تربطنا بكل شيء، إن المسلم بعقيدته يسمو ويعلو، وتصبح له العزة والتمكين، إن عقيدتنا تأمرنا بأن نرتبط برب يقول للشيء: كن فيكون، وعند ذلك نقوى، وننظر إلى عزتنا وقوتنا بقوة عقيدتنا.
ثالثاً: هناك أمر حول هذه الأحداث، وهو إننا في حاجة للتفتيش عما في المجتمع من المعاصي والذنوب التي سببت مثل هذه الفتنة، وسببت تسلط الأعداء يمنة ويسرة، والله يقول: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً} [الأنعام:١٢٩] .
كم هم الذين ارتبطوا بدين الله مع هذه الأحداث؟!! كم هم الذين بعد هذه الفتنة انطلقوا لصلاة الفجر يواظبون عليها أشد المواظبة؟!! كم هم الذين استقاموا على دين الله لما أحدقت بهم الخطوب، ورأوا شرر الحرب يتَّقد فقالوا: لا مخرج لنا إلا برجوعنا إلى الله رجعةً صادقةً، برجوعنا إلى هذا الدين وتمسكنا به تمسكاً صادقاً، ليست مجرد دعوى ننادي بها دائماً، إنما بسلوكنا العملي؟!! رابعاً: إننا في حاجة كاملة إلى قضية التناصح فيما بيننا، إن ذلك هو الذي يضعف هذه المنكرات التي أحدقت بكل بيت مسلم في الطريق والبيت والمدرسة، قلما تتجه إلى جزء من المجتمع إلا وتجد فيه من المنكرات والمعاصي ما لا يعلمه إلا الله.
ضعف التناصح بيننا، وعند ذلك سفينة الحياة تخرق ونحن ننظر إليها، إن لم نتآمر بالمعروف ونتناهى عن المنكر، وننطلق لرفع راية الإيمان في المجتمع خفاقة كما رفعها النبي صلى الله عليه وسلم، أصبحنا في ضعف وخور، وضعفت العقيدة في نفوسنا.
يجب أن نأمر بالمعروف جميعاً: حكاماً ومحكومين، شباباً وكباراً، رجالاً ونساءً، لا نترك هذا الأصل العظيم ثم بعد ذلك نقول: لم لا نستطيع أن نقف أمام هذه الفتن؟ نقول: لأن سفينة الحياة يخرقها بعض الناس، فلا بد من إبعادهم عن خرق هذه السفينة، وإلا غرقوا وغرقنا معهم جميعاً.
خامساً: يجب أن نعلم أن من الأمور التي أخرجت لنا هذه الأحداث ضعف قضية الولاء والبراء، ولطالما سمع أحبتي محاضرات حوله، إن لنا عقيدة في مسألة الولاء والبراء، نوالي لأي شيء؟ ألأنه عربي؟! ألأنه قريب لي؟! ألأنه من قبيلتي؟! ألأني أسكن معه في موطنٍ واحد؟! ذلك ولاء وبراء قد ألغاه الإسلام، إن الولاء والبراء عندنا هو على ضوء هذا الدين، لم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله) ؟ ليعطينا معلماً سامياً نسمو به على ضوء عقيدتنا، وتمسكنا بهذه العقيدة، فإن أحببنا الإنسان أحببناه لله، وإن أبغضناه أبغضناه في الله، وإن كان أخانا أو من أقرب الناس إلينا.
ثم نقول في هذه الأحداث: تساقطت القومية العربية، وأصبحت بعد ذلك أشلاءً ضعيفة؛ لما رأينا أن العربي يقتل العربي، وكلكم يراه بأمِّ عينه.
سادساً: إن أمتنا بحاجة إلى إعداد عسكري عام ليس لفئة معينة -ولعل الله أن ييسر محاضرة مستقلة سميتها: الصحابة والجهاد- آن الأوان لأن نترك الزمر والطرب واللهو واللعب، آن الأوان لشد المئزر ولحمل المدفعية والسلاح؛ لننطلق إلى بلاد الكفر لنعلن راية التوحيد خفاقة (لا إله إلا الله) .
ونقول للناس جميعاً: لسنا في إعداد لمجرد دفاع عن وطن أو قومية أو غير ذلك، إنا لا ندافع عن التراب، ولئن دافعنا عن ترابنا لأنا نقول: إنه بلد إسلامي، لأن من هذا البلد انطلقت راية التوحيد خفاقة لتعلن للناس: يجب أن تدخلوا في دين الله أفواجاً، لسنا نربي الناس ليدافعوا عن مبادئ هدامة أو غير ذلك، بل نقول لهم: انطلقوا للدفاع عن راية التوحيد، حتى لا يقف أمامها أحد من الناس، هكذا علمنا ديننا، وهذه هي عقيدتنا، أوليس الصحابة الأخيار خرجوا من مكة وهي موطنهم ورجعوا مع المصطفى يرفعون سيوفهم على أهل مكة وهو موطنهم، ليعودوا وليدخلوا في دين الله أفواجاً، لم يدافعوا عن تراب بل جاءوا بسيوفهم ووضعوها في رقاب الكفار، لأنهم لم يذعنوا لراية التوحيد والعقيدة.
إن بعض الناس يظنون أننا في حاجة للقوى العسكرية فقط، وينظرون إلى قضية الأشياء المادية، وهذا من الجهل والخطأ، لسنا في حاجة للإعداد العسكري بكامله، أوليس الله يقول: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:٦٠] {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة:٢٨٦] نعد ما استطعنا من قوة، ونتمسك بعقيدتنا وينصرنا رب السماوات والأرض.
سابعاً: هكذا يجب أن نعمل، أما أن تكون نظرة الناس تحليلات، كما تبثه إذاعات الغرب يمنة ويسرة، ويقارنون قواتنا بقوات الكفار فيرون عددهم أكبر، أين ارتباطنا بالرب الذي يقول للشيء: كن فيكون؟!! أين إيماننا بعقيدتنا أن ربنا يدبر السماوات والأرض: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ} [فاطر:٤٤] {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ الأَرْضَ} [الملك:١٦] أين إيماننا بعقيدتنا نحن؟!! ونقول كذلك: إن الله قد قال لرسوله: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:١٧] والله لو جاءت جميع القوى ولم يرد الله نصرنا ما استطعنا أن ننتصر على أي أحد، لم يقول ربنا: {إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} [آل عمران:١٦٠] {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً} [التوبة:٢٥] ؟ نظر الصحابة إلى عتادهم وما عندهم من القوة، ويهزم الصحابة الأخيار لما اعتمدوا على قواهم المادية، فليعلم كل أحد: أن أمة الإسلام لا تنتصر بعددها وعدتها، إنما تنتصر بقوة تمسكها بهذه العقيدة.
ثامناً: إن أمتنا في حاجة إلى معرفة قضية التوكل: فإن كثيراً من الناس لا يعرفون معالم التوكل، انطلق الناس في قضاياهم لما حدث، وإذا بهم ينظرون إلى الأشياء المادية فكان همّ الإنسان منا أن يكنز من الأرز والسكر وغير ذلك من الأطعمة، أين ربنا الذي يقول: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود:٦] ؟ الله هو الرازق ولن يضيع خلقه سبحانه.
ونقول: اهتم كثير من الناس بغلاء الطماطم وغير ذلك، وهذا مما يدل على ضعف التوكل عندهم، نحن أمة أُمرنا أن نرتبط برب السماوات والأرض، ونتوكل على الله حق توكله، لمَّا قال النبي صلى الله عليه وسلم موجهاً لأولئك الأخيار: (لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير) الطائر يطير من الشجر ليس معه شيء من الطعام، فيجوب في الدنيا، ويأكل من رزق الله تعالى، الرازق هو الله فهو متوكل على الله حق توكله.
تاسعاً: وأمر أخير أنبه عليه: إن أمتنا في حاجة لدراسة مخططات الأعداء الذين أحدقوا بنا، كفانا غفلة وتناسياً وضياعاً ولهواً وطرباً وغير ذلك، إذا كان الأعداء يخططون لأمتنا لهدم ديننا فلا نسكت ونقول: نتوكل على الله ولا نعمل، بل نحن أمة يجب أن تكون فاحصة في نظرتها للمجتمع، إن كثيراً من الناس لا يفقهون ما يحدق بأمتهم، ولا ينظرون إلى المعاصي والمنكرات، ولا يفتشون في مجتمعهم عما أحدق فيهم من الخير، وبعض الناس في غيبوبة، فهم في حاجة إلى أن يشتروا نظارات إسلامية ليبصروا المجتمع وليروا ما فيه من المعاصي، والأخطار التي أحدقت بأمتهم، هذه أحاسيس حول الأحداث.