للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عيون الجنة وأنهارها وسررها وفرشها]

يقول الله عز وجل: {فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ} [الغاشية:١٢] وهذا وصف للجنة، وذلك باستكمال محاسنها، وما أحسن أن يكون البستان تمر به ترع الماء والأنهار، وسبحان الله! فرعون قبحه الله لما أخبر موسى عليه الصلاة والسلام أن الله أعد لأوليائه جنات تجري من تحتها الأنهار ماذا عمل فرعون؟! بنى قصوراً وجعل الأنهار تجري من تحتها ونادى في قومه: {يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف:٥١] بئس ما قال، وشتان بين مقالته وبين ما أعد الله لأوليائه في جنات عدن.

لما ذكر الله في القرآن: {أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً} [الإسراء:٩١] وهذا اسم جنسٍ لقضية العيون الجارية، وعيون الجنات كثيرة أعدها الله لأوليائه، وهذا من الحسن الذي كان لهم.

ويصبح لهم من النعيم كذلك تلك السرر المرفوعة، وهذا من محاسنهم، سرر وقصور عظيمة في داخلها تلك السرر، والسرير: هو ما يجلس عليه الإنسان ويضطجع عليه، ووصفت بأنها مرفوعة بتصوير حسنها، والأصل في السرير أن يكون مرتفعاً عن الأرض، وكونها مرفوعة لكمال حسنها، فهي مجالس مرتفعة وفيها من الفرش اللينة الوطيئة، وفيها أكواب موضوعة، والكوب هو: الذي له عنق وساق وليس له عروة، وتصبح موضوعة دليل على أنها معدة لأولياء الله تعالى، ما يحتاجون أبداً إلى أن يصبوا فيها شيئاً، أعدها الله لهم فهي مجهزة، لهم فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين، وكل ما طلبوه وصل إليهم وحصل لهم فيها الخير العظيم، وتصبح هذه من لذائذ الجنات، ولهم النمارق؛ والنمرقة: هي الوسادة التي يتكئ عليها الجالس والمضطجع، وهي من الحرير والإستبرق، وهي مما لا يعلمه إلا الله، وقد أعطوا خيراً عظيماً وأجراً كبيراً، وتصبح لهم كذلك الزرابي؛ وهي جمع: زربية، قالوا: هي البسط الحسان، وأحسن البسط عندنا هي المنسوجة من الصوف الناعم، وتفرش في الأرض للزينة، مثلما يوجد عند بعض الناس الآن قطع صغيرة توضع للزينة لا للجلوس وهي نوع من الجمال، وغالباً ما يضعها أهل الترف فكم من بسط توضع للجمال والحسن، وتصبح هذه مبثوثة في كل مكان تجميلاً وتحسيناً.

قوبلت صفات أهل النار بصفات أهل النعيم، وشتان بين تلك الصفات، أولئك خاشعة وجوههم ذليلة وعاملة وناصبة وتصلى ناراً حامية، أما هؤلاء ناعمة لسعيها راضية في جنة عالية، إلى غير ذلك من النعيم العظيم.

ونعيم أهل الجنة ذكره الله: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ} [الزخرف:٧١] وقد وردت أحاديث عظيمة في وصف الجنات وهي كثيرة، منها: الحديث الصحيح: (أعددت لعبادي الصالحين في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) .

ووالله مهما يخطر في قلبك من الحسن ففي الجنات أعظم منه، ويدل عليه أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لموضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها) وهذا الحديث في الصحيحين.

أقول للأحبة: كم نتقاتل على الدنيا؟! وكم يحدث بيننا من القطيعة والخصومات وغيرها؟!! وما ننظر لما أعد الله لأوليائه من الجنات، وكم نرى من زهرة الدنيا حين ندخل قصور أصحاب الثراء والأموال الطائلة، والزخارف وما فيها من الفرش وغيره؟!! ويقول بعض الناس: لئن كان أهل الجنة في مثل هذا فهم في نعيم.

نقول: رويدك فالجنة فيها: (ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) .

<<  <  ج: ص:  >  >>