[الإيمان بربوبيته سبحانه وتعالى]
إيماننا بالله هو إيمان بربوبيته سبحانه وتعالى، لما حدث الحادث الذي سمعتموه من قضية الاعتداء على بلد مجاور، التفت الناس يمنة ويسرة، وفزع الناس وهلعوا وأصابهم الجزع والتسخط وكأن لم يكن لنا رب يقول للشيء كن فيكون، فأين إيماننا بربوبية الله تعالى؟ أوليس ربنا رب كل شيء سبحانه وتعالى؟ رب الأولين والآخرين {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} [الرحمن:١٧] رب السماوات والأرضين السبع وما بينهما ورب العالمين، مالك الملك سبحانه وتعالى، فلا يكون في ملكه إلا ما يشاء، ولا شريك له سبحانه في ملكه، ينزع الملك ممن يشاء، ويؤتي من يشاء سبحانه وتعالى، ويبسط الرزق ويقدره على من يشاء سبحانه وتعالى {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ} [السجدة:٥] وهو الذي سخر الفلك لتجري في البحر بأمره، ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، وهو المتفرد في ملكوته وفي جبروته، والمتفرد في تكوين هذه الدنيا سبحانه وتعالى.
يعطينا الله معالم ربوبيته الشاملة: {أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ} [الواقعة:٦٨-٦٩] {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} [الواقعة:٥٨-٥٩] إلى غير ذلك من الأشياء، ويعطينا قول النبي صلى الله عليه وسلم لـ ابن عباس: (واعلم أن الناس لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك) .
إذاً: الأمر أولاً وآخراً لله سبحانه وتعالى.
ولما جاء أهل النفاق فقالوا: {لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} [المنافقون:٧] رد الله عليهم بقوله: {وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ} [المنافقون:٧] .
إذا آمنا بأن لنا رباً يدبر كل شيء، يوجب لنا عزاً {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل:١٢٨] .
ولما قال الله في الحديث القدسي: (ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه) ؟! ليعطينا أن المؤمن له العزة والقوة، لا يهاب مهما كانت قوة الكفر، ومهما كان الأعداء قد أحدقوا به.
جاء أعرابي والنبي يخطب يوم الجمعة فقال: (يا رسول الله! هلكت البهائم، وأجدبت الأرض، وهلك الناس، فاستسق لنا) رفع النبي أكفه لربه: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل:٦٢] وربه يقول: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي} [البقرة:١٨٦] فلتنصرف القلوب إلى الله تعالى، ولا نلتفت إلى قوانا المادية، بل نرتبط بالرب الذي يقول للشيء كن فيكون سبحانه وتعالى.
ويرفع النبي أكفه لربه يقول: (اللهم أغثنا اللهم أغثنا، وتأتي غمامة ثم تنتشر على المدينة ويمطرون والنبي يخطب حتى يتقاطر المطر من لحيته الشريفة صلى الله عليه وسلم) من الذي جاء بهذا المطر؟ إنه الرب الذي يقول للشيء كن فيكون.
ويمطرون أسبوعاً كاملاً ما رأوا الشمس، لما خطب النبي الجمعة الثانية جاء نفس الصحابي رضي الله عنه وقال: يا رسول الله! تهدمت البيوت وهلكنا، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم، منذ أسبوع وهو يطلب المطر، والآن يطلب أن يكون بعيداً عنه.
وإذا بالنبي يشير بالغمام هكذا بيده فينطلق جزءٌ منه تبعاً لإشارة المصطفى، ويشير هكذا وهكذا، ثم يتقطع وكأن لم يكن في السماء قزعة واحدة أو سحابة.
هكذا نحن أمة لها هذه العقيدة ترتبط بالله تعالى حق الارتباط، ويعطيها الله النصر والتأييد.
من الأمثلة كذلك: قصة سعد بن أبي وقاص لما خرج بجيش الإسلام، رأوا جيش الكفار وإذا بعدده كبير، فجاء أحد الصحابة فقال لـ سعد: [يا سعد! لو دعوت الله لنا، قال: انطلق إلى الجيش فأخبرني بحال هؤلاء الجنود، فانطلق الصحابي ينظر إليهم قال: فوجدت الجيش ما بين راكعٍ وساجدٍ وتالٍ لكتاب الله وذاكرٍ لربه] الله أكبر! هكذا جيش الإسلام الذي يرتبط بالله تعالى، ليس جيش زمرٍ وطربٍ وضياعٍ للأوقات [فقال سعد: الآن ندعو فنجاب] فدعا سعد؛ فإذا بالله عز وجل يجعل البحر يبساً تمشي خيول الإسلام عليه وما يبتل حافرها، والسمك من تحتهم ينظرون إليه، ويتجهون إلى الأعداء ليقاتلوهم، ويفر جيش العدو لما رأى جيش الإسلام يمشي على البحر، أين يكون ذلك إلا في عقيدتنا نحن التي ترتبط بالله حق الارتباط؟!! نحن أمة لا نرتبط بقوانا وما عندنا من القدرات وغيره، بل معنا رب يقول للشيء: كن فيكون سبحانه وتعالى.
نجد الله يخاطب هذا الكون كاملاً في قصة نوح عليه الصلاة والسلام لما قال: {إنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ} [القمر:١٠-١١] جاء الماء ينهمر من السماء، وفجر الله الأرض عيوناً، هل الله عاجز عن هذه القوى الكافرة؟!! بل الله قادر على كل شيء سبحانه وتعالى.
إننا أمة مرتبطة بربوبية الله تعالى حق الارتباط، فلذلك يجب أن نعلم في قصة نوح أن الكون بكامله غرق، من الذي نجا مع نوح؟! إنهم أهل العقيدة، سفينة العقيدة تنجو وما تصاب بأذى، والكون كله يصبح أهله غرقى ببهائمهم، ولم ينج الله إلا من كان مع نوح عليه الصلاة والسلام.
إلى غير ذلك من الأمور، أوليس الله قادراً على أن ينطق الجلود: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت:٢١] إذاً معنا ربنا سبحانه وتعالى إذا تمسكنا به حق التمسك، وارتبطنا به حق الارتباط نصرنا بنصر من عنده.