أقول للأحبة: إن علينا أن ننظر إلى آيات الله، ولا أدري الآن في أي آيات الله ننظر، ولعل أعظم ذلك لما قال الله:{وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ}[الذاريات:٢١] إن نفسك التي بين جنبيك وجسدك الذي أعطاه الله إياك أبصر ما فيه من عجائب خلق الله تعالى، وليس المقصود أن نقر بأن الله هو الخالق الرازق، وإنما لننتقل منه إلى توحيد الألوهية فهو المستحق للعبودية وحده لا شريك له.
وإني أتأمل لو أن أحدنا أصيب بفشل كلوي ما يكون حاله؟ قطعتا لحم صغيرة تبقى في جسد الإنسان ملصقة في ظهره تعمل وتغسل هذا الدم وينفع الله بها العبد وهي صغيرة، إذا تعطلت ما حاله معها؟! يحتاج إلى جهاز ضخم كبير لأجل أن يقوم بعمل قطعة اللحم هذه {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ}[الذاريات:٢١] .
نعمة السمع والبصر، وما أدري ما أحدث من عجائب خلق الله في هذا الجسم، وكم يحدث للإنسان من قضية كريات الدم وغيره، وهناك كتب ألفت في الطب يقرؤها الإنسان فيحمد الله على ما أنعم الله به عليه.
أذكركم بلطيفة من اللطائف وهي من آيات الله الكونية: قضية النمل هذه الحشرة الصغيرة؛ هي من عجائب خلق الله تعالى.
ويحدثنا الآباء من قبل عندما كان الناس في حال جوع -والحمد لله الذي أبدلنا من الخوف أمناً، ومن الجوع رغداً من العيش- كانت النمل تجمع محاصيل الناس من قمح وغيره ثم تدفنه في الأرض، فإذا جاء المطر أخرجته فنشرته في الشمس؛ لعلمها أنه لو بقي مع الرطوبة تعفن فما استفادت منه، يقول الكبار: فإذا أخرجته أخذناه فأكلناه وتركناها وما أعطيناها شيئاً، وسبحان الله! هذا النمل إذ يأخذ القمح يعرف محل النواة التي تخرج منه فيأكل هذا النواة بحيث لو جاءه الماء لا ينبت حتى لا يفسد منزله وبيته، وذكروا عن صنف من النمل أنه يأخذ البذور فيضعها على سواقي الأنهار، ثم يغطيها بالتراب، حتى إذا أينعت السنابل رقى النمل فقطف الثمار، ثم يأكل النواة ويخزنه عنده ليأكله طيلة عامه، ولهذا في أيام الشتاء القارس لا ترى النمل يخرج، وبعد أيام يخرج فيؤذي البيت كله، أين هو من قبل؟ إن معه طعامه في الداخل، سبحان الذي أعطاه! وقد تكلم على هذه المسألة ابن القيم رحمه الله في مفتاح دار السعادة، وأنصحكم بقراءة هذا الكتاب؛ فإن فيه من عجائب خلق الله تعالى، التي ذكرها الإمام ابن القيم رحمه الله ليربطنا بأن الله هو المستحق للعبودية وحده لا شريك له.
والكلام على آيات الله الكونية في السماوات أو الأرضين أو جسد الإنسان أو غيره يحتاج إلى محاضرات حتى يوقن الإنسان ويرسخ في قلبه الإيمان، ويتأثر بذلك أشد التأثر.