إن الإيمان باليوم الآخر له آثار، وأعظم آثاره على العبد أن يجعله يستشعر قضية الآخرة في كل عمل يعمله، فيشعر المسلم أنه مسئول عنه، مسئول في كل صغيرة، انطلقت إلى العمل سأسأل عن هذا، انطلقت إلى متجر سأسأل عنه، انطلقت من معصية سأُسأل عن ذلك الأمر، لم قال الله:{وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}[الأنبياء:٤٧] ؟ فإن المحاسب في ذلك اليوم هو رب السموات والأرض الذي لا تخفى عليه خافية، يقول العاصي:{مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً}[الكهف:٤٩] .
إن الإيمان باليوم الآخر يجعل صاحب العمل يجد في عمله ويجتهد، كم هم الذين يفرطون في أعمالهم في الدوام وفي الإنتاج وغير ذلك؛ لأنهم غفلوا عن قضية المحاسبة، وغفلوا عن قضية تأمين مستقبلهم.
إننا أمة قيل لها: إن الدنيا هي مزرعة الآخرة، قيل لها:{وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}[البقرة:١٩٧] قيل لها: انطلقي بالأعمال الصالحات لترتقي في درجات الجنة.
كثيرون هم الذين إذا قيل لأحدهم: اتق الله.
قال: الدنيا فانية؛ فينبغي لك أن تعيش وتأكل من متاعها، وتنسى ما أنت قادم إليه!! وهذا من الجهل والخطأ، بل إننا أمة لها زاد؛ وزادها التقوى والصلاح والأعمال الصالحة، روى الإمام أحمد في مسنده من حديث البراء بن عازب قال:(بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ بصر بجماعة فقال: علام اجتمع هؤلاء؟ فقيل: على قبر يحفرونه، ففزع النبي صلى الله عليه وسلم، فبدر بين يدي أصحابه مسرعاً حتى انتهى إلى القبر فجثا على ركبتيه -بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم- يقول البراء: فاستقبلته من بين يديه فنظرت ما يصنع صلى الله عليه وسلم، فبكى بكاء مراً حتى اخضلت لحيته -تذكر اليوم الآخر، وتذكر ما أعد الله لأوليائه، وتذكر ما الناس قادمون إليه- ثم قال صلى الله عليه وسلم: أي إخواني لمثل هذا اليوم فأعدوا، لمثل هذا اليوم فأعدوا) كم نزور المقابر لتذكرنا بالدار الآخرة، وقلوبنا في غفلة؟! بعض الناس يبقى في المقبرة يضحك مع صاحبه، وربما يعزمه ويستضيفه، أين التذكر للدار الآخرة، والعرض على الله سبحانه وتعالى؟! قال صلى الله عليه وسلم:(الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت) الذكي عندنا نحن في الدنيا، من يجمع الدينار والدرهم ويستطيع أن يكسب، لكن الكيس الحقيقي الذكي هو الذي يجمع للدار الآخرة لا لأمور الدنيا.
من آثار ذلك: أن إيماننا باليوم الآخر يسهل علينا بذل النفس والنفيس والدينار والدرهم في سبيل الله تعالى، جاء أحد الصحابة بناقة مخطومة فقال للنبي صلى الله عليه وسلم:(يا رسول الله! هذه في سبيل الله افعل بها ما شئت، قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة) يقدمون الأعمال ويجدونها أمام أعينهم: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ}[التوبة:١١١] .
ويبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في أحاديث كثيرة؛ كما في حديث أنس لما قال:(قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض) ولتذهب تلك النفس ولا ترجع للدنيا؛ لأني أضعها في موقع أفضل من ذلك، الصحابة رضي الله عنهم كانوا إذا ذهبوا للجهاد يودعونهم لا يريدون منهم الرجوع، ولما رجع أهل مؤتة استقبلهم الصبية وصغار الناس يحثون في وجوههم التراب يقولون: أنتم الفرَّار لم رجعتم ودعناكم على ألا ترجعوا، موعدكم هناك في جنة الفردوس، لم رجعتم إلى الدنيا وإلى أهليكم؟!! هكذا كان الصحابة ينشئون رضي الله عنهم، وعند ذلك ما يهمهم شيء:
ولست أبالي حين أقتل مسلماً على أي جنب كان في الله مصرعي
إن الإيمان باليوم الآخر يهون على المسلم الشدائد مهما كانت تلك الشدائد، قال النبي صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى كما في الحديث القدسي:(من ابتليته في حبيبتيه فصبر عوضته عنهما الجنة)(عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير؛ إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له) .