الأمر الثاني عشر: يُسَنُّ للمسلم أن يرمل، فيبدأ الإنسانُ طوافَه من لحظة أن يقول: الله أكبر في بداية الطواف بأن يسرع ويقارب بين الخُطا، وكثيرٌ من الناس ينسون هذه السنة حتى إذا لم يبقَ من طوافه إلا شوطٌ أو شوطان يسأل: أأرمل قضاءً؟! فنقول: هي سنة قد فات محلها، فلا حاجة إلى أن تعيدها مرة أخرى.
ثم يقول: كم يرمل الإنسان؟ نقول: الثلاثة الأشواط الأولى فقط، ويكون الرَّمَل على جميع الطواف في هذه الثلاثة، فإن المصطفى صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كما ذكر ذلك جابر بن عبد الله، وثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم رَمَل الطواف كاملاً؛ لكنه في عمرة القضاء رَمَل النبي صلى الله عليه وسلم ما بين الحَجَرَين، بمعنى أنه بدأ من الحَجَر الأسود ثم طاف إلى أن وصل إلى الركن اليماني، ثم رَمَل إلى الحَجَر الأسود، ثم لم يرمل بعد ذلك.
ذلك الرَّمَل لسبب أن كفار قريش كانوا قد أمروا بعضهم أن يأتوا إلى البيت ويقولوا: انظروا إلى محمد وأصحابه، قد أوهنتهم حمى يثرب، فانظروا إليهم كيف يطوفون؛ لأن من كان فيه الحمى لا يستطيع أن يمشي وقد أثقله التعب والمشقة، فأمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم الصحابةَ إغاظةً لهؤلاء الكفار أن يرملوا، فجلسوا ينظرون حمى يثرب، وإذا بالصحابة يرمُلون، قيل: كيف تقولون: إنهم أوهنتهم حمى يثرب، فوالله لكأنهم الغزلان.
فأغاظ الله الكفار لِمَا جاءوا من أجله، فقد جاءوا ليستشرفوا وينظروا إلى الصحابة، فردَّ الله كيدهم في نحورهم، وبقيت تلك سنةً، نرمل في الثلاثة الأشواط الأولى فقط.