يقول الله سبحانه وتعالى:{وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ}[الغاشية:٢٠] بسطت هذه الأرض ومدت حتى صارت ممهدة سهلة يصلح فيها العيش للناس والسكنى والحياة، وفيها مرعى الناس، ومسكنهم ومفترشهم إلى غير ذلك، يقول بعض العلماء: إن الأرض أربعة أصناف: صنف براري: قفار وخلوات؛ وهي الصحاري، وصنف مجاري: أنهار وغدران وغيرها، وصنف تلال وجبال وأودية، وصنف مراعي ومزارع وقرى ومدن يسكنها الناس.
وهذا من تسخير الله إذ سطحت، وحيث سطحها الله خلقها ممهدة للمشي والجلوس والاضطجاع، ومعنى سطحت يعني: سويت، ويصبح كل أهل كأرض يجلسون في تلك الأرض المسطوحة، وهذا من تسخير الله تعالى لنا، فلو كانت صخوراً كبيرة ما استطاع الناس أن يسكنوا فيها ولا أن يمشوا عليها، وإنما جعلها مسطحة للناس يستفيدون منها، وهذا من فضل الله تعالى، وليست هذه المنة لأهل الإيمان وحدهم بل لأهل الإيمان والكفر وغيرهم، وتوجب لنا تلك الآيات أن نرجع إلى ربنا وأن نتذكر نعم الله تعالى علينا، وهذه الآيات توجب لنا أن نوحده سبحانه وتعالى.
ويذكر العلماء رحمهم الله تعالى في أقسام التوحيد: أن توحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية، وكيف ذلك؟ أليس الله يقول في سورة البقرة:{الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ}[البقرة:٢٢] كل هذه ربوبية، جاءت بعدها:{فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً}[البقرة:٢٢] .
إن سَوق آيات الربوبية ليس المقصود منها أن نعرف أن الله هو الخالق الرازق المدبر فذاك أمر معروف، وإنما يراد منا أن ننتقل من هذا التوحيد إلى توحيد الألوهية:{فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[البقرة:٢٢] .
وكان كفار قريش يعرفون أن الله هو الخالق الرازق وما نفعهم هذا شيئاً؛ لأنهم لم يوحدوا الله سبحانه وتعالى، ويتأثروا بهذا النظر إلى معرفة أن الله هو الخالق الرازق للإنسان، والمستحق للعبودية وحده سبحانه وتعالى، ولهذا قال:{قُلْ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}[يونس:١٠١] .
وجاءت هنا:{أَفَلا يَنْظُرُونَ}[الغاشية:١٧] هم ينظرون ولهم أبصار، والعين يبصر بها الإنسان ويبصر بها الحيوان، لكن الإنسان المؤمن هو المستفيد والمتأثر بذلك أشد التأثير، هذه آيات الله الكونية.