[من أصولنا: الإيمان بالقضاء والقدر ومراتبه]
ننطلق إلى أصل آخر ونختم به: إنه قضية القضاء والقدر الذي أغفله كثير من الناس.
إن القضاء والقدر في عقيدتنا لا بد له من مراتب أربع: - المرتبة الأولى: مرتبة العلم.
يجب أن يعلم الناس أن الله سبحانه وتعالى عالم بكل شيء، وأنه أحاط بكل شيء علما، وأنه علم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون -سبحانه وتعالى- وأنه عالم بالخلق جميعاً بكل جزئية صغيرة أو كبيرة، حتى ورق الشجر؛ ما تسقط من ورقة في هذا الكون إلا ويعلم ربي متى تسقط، وفي أي موضع من الأرض تسقط، والله يقول: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:٥٩] ويقول سبحانه وتعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} [الحشر:٢٢] أي: عالم السر والعلانية، وعالم أمور الدنيا والآخرة سبحانه وتعالى {إِنَّمَا إِلَهُكُمْ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً} [طه:٩٨] وإلى غير ذلك من الآيات.
- المرتبة الثانية: مرتبة الكتابة.
ما حدث لأمتنا وما حدث للدول المجاورة أحدث فلتة؟! أليس من أصولنا أن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة؟! أليس أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب.
قال القلم: يا رب وما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى قيام الساعة، فما حدث للأمة أمر قد كُتب، فلا بد من وقوعه!! ليس معنى هذا أن نسلم، بل ما مضى نسلم به فالحمد لله على قضائه وقدره، ونصبر، وما كان مستقبلياً نعد العدة لئلا يقع شيء من ذلك، وهكذا أمرنا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له) ويقول الله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:٣٨] {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحج:٧٠] ويقول: {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [يونس:٦١] ليبين لنا هذا الأصل العظيم.
- المرتبة الثالثة: وهي مرتبة الإرادة والمشيئة.
يجب أن نعلم أن ما حدث إنما هو بإرادة الله، ليس صدام هو الذي أراد هذا الشيء، بل الله المريد: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان:٣٠] {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:٨٢] الله هو المريد سبحانه وتعالى.
إن كل شيء يجري في هذا الكون فهو بمشيئته: (فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن) فلا يخرج شيء في هذا الكون عن مشيئته: {قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:٢٦] ويقول: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:٦] ويقول: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} [الإنسان:٣٠] .
- المرتبة الرابعة: مرتبة الخلق.
فالله سبحانه خالق كل شيء، ومنها أفعال العباد، فلا يقع شيء في هذا الكون إلا وهو خالقه سبحانه وتعالى، والله يقول: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات:٩٦] {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد:١٦] {ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [غافر:٦٢] {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الزمر:٦٢] .