للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ما يجب أن يكون عليه الداعية]

أقول للأحبة: إن من أعظم الأساليب التي توصل الحق للناس وتجعلهم يقبلون به هو حسن الأدب، فهو يجعل الإنسان ذا سمت عظيم، ويكون كنبيه عليه الصلاة والسلام {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:٤] فالنبي صلى الله عليه وسلم أدبه ربه فأحسن تأديبه كما في الحديث المتفق عليه، وأثنى الله عليه: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:٤] وكم كان فيه من الأخلاق والتأثير في تذكير الناس ووعظهم وتوجيههم إلى الخير.

يقول الإمام ابن القيم بعد أن ذكر شيئاً من الآيات كما في قوله تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ} [الشورى:٤٨] وكما في قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} [يونس:١٠٨] يقول ابن القيم ناقلاً عن المفسرين رحمهم الله -أقوله بالمعنى-: إنك لم ترسل مسلطاً عليهم قاهراً لهم جباراً، بل أنت عبدي ورسولي المبلغ رسالاتي فمن أطاعك فله الجنة، ومن عصاك فله النار.

ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كلكم يدخل الجنة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟! قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى) دلَّ هذا على أن الإنسان ينبغي له أن يحرص على أن يبلغ دين الله وأن يذكر؛ فما هو عليهم بمسيطر.

ينبغي لمن أراد أن يذكر الناس أن يستغل إقبال القلوب، فإن القلوب لها إقبال وإدبار، فإذا أقبلت انطلق ليعظها وليذكرها، وأن يكون منتهزاً للفرص، ولعلي أضرب بمثال في الحديث الصحيح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدي إليه نمرقة، وكان أهداها إليه سعد بن معاذ رضي الله عنه، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم ثم قام يخطب الناس وهي عليه، فأعجب بها الصحابة الذين كانت ثيابهم مرقعة؛ لأنها كانت ناعمة عظيمة ما رأوا مثلها أبداً من حسنها وجمالها، ولما انتهى النبي صلى الله عليه وسلم نزل وإذا بالصحابة يلمسونها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: تعجبون منها؟ قالوا: ولم لا يا رسول الله؟! والله ما رأينا أنعم منها أبداً -لأنهم أصابهم شظف العيش رضي الله عنهم، ثم نقلهم النبي بكلمة واحدة- فقال لهم: لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أنعم من هذه التي ترون) .

وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينقل الصحابة نقلةً عظيمة: (اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة) مهما كانت الدنيا بما فيها من النعيم، ومهما أصابك بها من الشدة: اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، نقلة عظيمة! تجعل قلب الإنسان يرفرف حول الجنات ويتمنى أن يكون من أهلها، وما يكون ذلك إلا بصلاحٍ واستقامة على دين الله تعالى، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخول أصحابه بالموعظة، والكلام حول هذا يطول بنا كثيراً.

ولكن الله قال: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ} [الغاشية:٢١-٢٢] فإذا قمت بما عليك فلا عليك بعد ذلك لوم أبداً، والله قال لرسوله: {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} [ق:٤٥] .

<<  <  ج: ص:  >  >>