للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[معنى قوله تعالى: (وإلى السماء كيف رفعت)]

إن الله سبحانه وتعالى ذكرهم بحيوانٍ كان يمشي معهم، ويبيت ويقيل معهم، يستفيدون منه طيلة حياتهم فما يستغنون عنه، ثم نقلهم الله تعالى إلى شيء أعظم من ذلك: {لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} [غافر:٥٧] وهذه السماوات أفلا ينظرون إليها؟! وأقول للأحبة: إن السماوات نراها ليلاً ونهاراً، وننظر إليها في كل أحوالنا صيفاً وشتاءً، وإن كنت أقول: قلَّ من يعتبر ويتعظ من تلك السماء، ونحن نراها في سفرنا وحضرنا، كم للسماء من الأثر العظيم إذ يخرج الإنسان في ليلة لم يكن القمر فيها بادياً، ويخرج إلى برية فيرفع بصره إلى السماء ليرى تلك النجوم وكأنها وجدت الآن مع أنه كان يراها من قبل، ويرفع بصره إلى السماء دائماً فيرى فيها بديع صنع الله تعالى، فهي فوقنا ومع هذا فقد رفعت بغير بعمد، وقد ذكر الله أن السماء سقفاً محفوظاً، والأصل أن السقف يكون بأعمدة، ومع ذلك هذه السماء لم يكن بها أعمدة أبداً، وخلق الله فيها الكواكب التي أدهشت العقول، ونثر الله فيها النجوم بلا عدد، وكم نحن في حاجةٍ إلى الاطلاع على عجيب صنع الله تعالى فينا، يقول ابن قتيبة الدينوري: إن أعلم الناس بمواقع النجوم ومساقطها هم العرب.

وهم أولى الناس أن يتوجهوا لمعرفة تلك، ولهذا تجد التقويم القطري أو تقويم أم القرى تجد أنه إذا خرج سهيل يحصل كذا، وإذا بدأ كذا يحدث كذا، وتجد المزارعين يعرفون أوقات الزراعة على ضوء هذه النجوم، ليس لأن النجوم لها تأثير فإن ذاك علم باطل، ومنه ما يسمى علم التسيير وليس علم التأثير، فعلم التأثير من السحر، وعلم التسيير أن تعلم مواقع النجوم وأوقاتها.

وقد علقت أوقات الصلوات عندنا بقضية السماء وكواكبها، إذا أصبح ظل كل شيء مثليه فهو قبل الغروب، فنحن نرتبط بالشمس في السماء، إذا غربت الشمس بدأ المغرب، وإذا غاب الشفق ونحن ننظر إليه بدأ العشاء، وهكذا نرتبط بهذه السماوات: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ} [آل عمران:١٩٠] والكلام على الشمس وبديع صنع الله تعالى فيها يطول بنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>