ثم ينقلنا الله إلى أمرٍ مشاهد ملموس لنا، تمر بنا آيات في الآفاق وآيات نمر بها ونحن نسير:{وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ}[الغاشية:١٩] جعل الله هذه الجبال رواسي أن تميد بنا، أوتاداً لهذه الأرض، محلاً للاعتصام من الأعداء، ولهذا نجد الجبال موقعاً للمسلمين يعتصمون به من أعداء الله تعالى، وأكناناً، وجعل فيها كهوفاً يسكنها الناس.
وإذا نظر الإنسان إلى ديار عاد وثمود يرى فيها عجباً:{أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ}[الشعراء:١٢٨-١٣٠] وسبحان الذي أعطاهم القدرة على أن ينحتوا الجبال: {وَتَنْحِتُونَ مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ}[الشعراء:١٤٩] كما ذكر الله في كتابه، وهذا يدل على أن هذه الجبال يمكن أن نستفيد منها، ومع ذلك ذكر الله أنه:{لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}[الحشر:٢١] يخاف من ربه مع أنه صلب، وجعل الله هذه الجبال أنواعاً، منها: الصخري الجامد، ومنها: ما ينبت الأزهار والثمار والعجائب، ومنها: ما يتوج بتيجان الثلج في أعلام ناصعة بديعة في منظرها، ومنها: براكين تخرج منها حمم بركانية تقذف به، ومنها: الذي تسكنه الطيور والمخلوقات العجيبة، ومنها: ما يصبح مسكناً مصيفاً لعباده يؤون إليه، وتصبح تلك الجبال أمورها عجيبة، وحين يصعد الإنسان إلى قمم هذه الجبال الشم الضخمة الرواسي يتعرف على عظمة الله تعالى، وعلى أن الذي خلقها قادر على هذا الكون كله، وما أصغر الإنسان أمام هذا الجبل الضخم.
وإنا لنجد أمراً عجيباً أن الرسول صلى الله عليه وسلم وكان يتحنث في غار حراء، ويحدث بعد أن صعد عليه، وإن كنا نقول: ليس من السنة صعود جبل النور، يرقاه في ساعة إلا ربع ثم يصل إلى قمته بلا فائدة، ونبينا كان يتحنث فيه الأيام ذوات العدد يتعبد لله فيه؛ لأن ذلك الجبل يعطي الإنسان عظمة الرب سبحانه وتعالى، ويستصغر الإنسان نفسه أمام هذا المخلوق وهو من مخلوقات الله تعالى.