يقول الله تعالى:{فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ}[الغاشية:١٠] وهذه نتيجة لها، وأقول للأحبة: إن أعظم ما يكمل الله به العبد هو نجاته من النار، وإن كنا نقول: أعظم نعيم أهل الجنة رؤية الجبار، فكونك تنجى من النار وتدخل الجنة فضل عظيم، والله قد ذكره في كتابه:{فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ}[آل عمران:١٨٥] ووالله لهو الفوز العظيم، والسبب: لأن الجنة جمعت أنواع النعيم كله.
وسميت جنة؛ لاستئثارها بكثرة ما فيها من الأشجار والنعيم والخير العظيم الذي أعده الله لأوليائه، وأصبحت جنة عالية، وهذا من زيادة الحسن، وسبحان الله! الآن في واقع الحياة كلما كانت البساتين في سفوح الجبال كانت لها مناظر عجيبة، وأثر في النفس وانشراح في الصدر، ولذا إذا رأيت جبلاً كله أشجار ومزارع قلت: سبحان الله العظيم! الذي أوجد هذا الكون.
وأهل الجنة في جنة عالية ليست منخفضة، وتصبح مساكنهم في أعلى، وتصبح فتصبح غرفهم من فوقها غرف مبنية فيصبحون في علو، وهذا من فضل الله تعالى الذي أعده لأوليائه، فهم يشرفون على ما أعد الله لهم من الكرامة.
وتصبح مع علوها قطوفها دانية، والقطوف هي الثمار من فواكه وخير، واللذيذ الذي لا انقطاع له، وثمار حسنة.
دانية أي: في التناول، ما يحتاج إلى قيام، فإذا كان مضطجعاً ومستريحاً ويريد فاكهةً ينزل عليه الغصن فيأخذ منه، ولا يحتاج إلى رفع يده، ولا إلى قيام، نسأل الله أن نكون ممن يأكل من هذه القطوف الدانية، ويصبحون يتناولونها على كل حال.
وكم يحصل للناس من النعيم عندما يدخلون الجنة العالية، ويصبحون من نعيمهم أنهم لا يسمعون فيها لاغية، فمجالسهم في الجنة لا لغو فيها أبداً؛ واللغو هو الكلام الذي لا فائدة منه، وفيه تنبيه: على أن الجنة دار جد فلا مكان لما لا فائدة منه.
أقول: كم نجلس في المجالس فيحصل منا اللغط، وكم نجلس المجالس فنتكلم بأمور قد لا تعود علينا بالنفع في الدنيا ولا في الآخرة، وأهل الجنات كلامهم كله حق ونافع ومشتمل على ذكر الله تعالى، وذكر نعمه المتواترة عليهم.