للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِنْذَارِ، وَمِنْهَا بِمَعْنَى الْمُدَاهَمَةِ.

وَقَدْ تَوَهَّمَ الرَّازِيُّ أَنَّهَا مِنْ بَابِ الصِّفَاتِ، فَقَالَ: الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ: (فَأَتَاهُمُ اللَّهُ) ، لَا يُمْكِنُ إِجْرَاؤُهُ عَلَى ظَاهره بِاتِّفَاق الْعُقَلَاءِ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ بَابَ التَّأْوِيلِ مَفْتُوحٌ، وَأَن صرف الْآيَات بِمُقْتَضى الدَّلَائِل الْعَقْلِيَّة جَائِز. اهـ.

وَهَذَا مِنْهُ عَلَى مَبْدَئِهِ فِي تَأْوِيلِ آيَاتِ الصِّفَاتِ، وَيَكْفِي لِرَدِّهِ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مُقْتَضَى الدَّلَائِلِ الْعَقْلِيَّةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعَقْلَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي بَابِ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهَا فَوْقَ مُسْتَوَيَاتِ الْعُقُولِ (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) ، وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

أَمَّا مَعْنَى الْآيَةِ، فَإِنَّ سِيَاقَ الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا السِّيَاقِ لَيْسَ مِنْ بَابِ الصِّفَاتِ كَمَا فِي قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِد) ، أَيْ هَدَمَهُ وَاقْتَلَعَهُ مِنَ قَوَاعِدِهِ، وَنَظِيرِهِ: (أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً) ، وَقَوْلِهِ: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا) ، وَقَوْلِهِ: (أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا) .

وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي العَدْوَى: (أنَّى قلتَ أُتِيتَ) (١) أَيْ دُهِيتَ وتغيَّر عَلَيْكَ حِسّك فَتَوَهَّمْتّ مَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ صَحِيحًا.

وَيُقَالُ: أُتِيَ فُلَانٌ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ التَّاءِ إِذَا أَظَلَّ عَلَيْهِ الْعَدُّوُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: «من مأمنه يَأْتِي الْحَذِرُ» ، فَيَكُونُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا) أَخَذَهُمْ وَدَهَاهُمْ وَبَاغَتَهُمْ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا مِنْ قَتْلِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَحِصَارِهِمْ، وَقَذْفِ الرُّعْبِ فِي قُلُوبِهِمْ.

وَهُنَاكَ مَوْقِفٌ آخَرُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ يُؤَيِّدُ مَا ذكرنَا هُنَا، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى:


(١) - لم أَقف عَلَيْهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>