للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنَّ الشَّيْطَانَ لَا سُلْطَانَ لَهُ عَلَى مِثْلِ أَيُّوبَ، لِأَنَّ التَّسْلِيطَ عَلَى الْأَهْلِ وَالْمَالِ وَالْجَسَدِ مَنْ جِنْسِ الْأَسْبَابِ الَّتِي تَنْشَأُ عَنْهَا الْأَعْرَاضُ الْبَشَرِيَّةُ كَالْمَرَضِ، وَذَلِكَ يَقَعُ لِلْأَنْبِيَاءِ، فَإِنَّهُمْ يُصِيبُهُمُ الْمَرَضُ، وَمَوْتُ الْأَهْلِ، وَهَلَاكُ الْمَالِ لِأَسْبَابٍ مُتَنَوِّعَةٍ. وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ جُمْلَةُ تِلْكَ الْأَسْبَابِ تسليط الشَّيْطَان على ذَلِك للابتلاء ...

وَقَوْلُ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ أَيُّوبَ فِي سُورَةِ «ص» : {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ} ، قَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِيهِ: إِنَّهُ حَلَفَ فِي مَرَضِهِ لَيَضْرِبَنَّ زَوْجَهُ مِائَةَ سَوْطٍ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَأْخُذَ ضِغْثًا فَيَضْرِبَهَا بِهِ لِيَخْرُجَ مِنْ يَمِينِهِ، وَالضِّغْثُ: الْحُزْمَةُ الصَّغِيرَةُ مِنْ حَشِيشٍ أَوْ رَيْحَانٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يَأْخُذُ حُزْمَةً فِيهَا مِائَةُ عُودٍ فَيَضْرِبُهَا بِهَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً، فَيَخْرُجُ بِذَلِكَ مِنْ يَمِينِهِ. وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي سُورَةِ «الْكَهْفِ» الِاسْتِدْلَالَ بِآيَةِ {وَلاَ تَحْنَثْ} عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْمُتَأَخِّرَ لَا يُفِيدُ. إِذْ لَوْ كَانَ يُفِيدُ لِقَالَ اللَّهُ لِأَيُّوبَ قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. لِيَكُونَ ذَلِكَ اسْتِثْنَاءً فِي يَمِينِكَ.] (١) .

فصل سيدنَا يُونُس - عَلَيْهِ السَّلَام -

[قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِى الظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلك نُنجِى الْمُؤْمِنِينَ} . أَيْ وَاذْكُرْ ذَا النُّونِ. وَالنُّونُ: الْحُوتُ. «وَذَا» بِمَعْنَى صَاحِبٍ. فَقَوله {ذَا النُّونِ} مَعْنَاهُ صَاحِبُ الْحُوتِ. كَمَا صَرَّحَ اللَّهُ بِذَلِكَ فِي «الْقَلَمِ» فِي قَوْلِهِ {وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ} . وَإِنَّمَا أَضَافَهُ إِلَى الْحُوت لِأَنَّهُ النقمَة كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ} .


(١) - ٤/٧٤١: ٧٤٥، الْأَنْبِيَاء / ٨٣ - ٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>