بَيَان انْتِفَاء الْولادَة واتخاذ الْوَلَد عقلا ونقلاً:
قَالَ صَاحب التَّتِمَّة - رَحمَه الله - عِنْد قَوْله تَعَالَى: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} : [نفي اتِّخَاذِ الْوَلَدِ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْوِلَادَةِ؛ لِأَنَّ اتِّخَاذَ الْوَلَدِ قَدْ يَكُونُ بِدُونِ وِلَادَةٍ كَالتَّبَنِّي أَوْ غَيْرِهِ، كَمَا فِي قِصَّةِ يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ عَزِيزِ مِصْرَ: {أَكْرِمِى مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَآ أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} .
فَفِي هَذِهِ السُّورَةِ نَفْيٌ أَخَصُّ، فَلَزِمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ وَهِيَ سُورَةُ الْإِخْلَاصِ. وَالَّتِي تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ لِاخْتِصَاصِهَا بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ مِنَ الْوَحْدَانِيَّةِ وَالصَّمَدِيَّةِ، وَنَفْيِ الْوِلَادَةِ وَالْوَلَدِ، وَنَفْيِ الْكُفْءِ، وَكُلُّهَا صِفَاتُ انْفِرَادٍ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ.
وَقَدْ جَاءَ فِيهَا النَّصُّ الصَّرِيحُ بِعَدَمِ الْوِلَادَةِ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، فَهِيَ أَخَصُّ مِنْ تِلْكَ، وَهَذَا مِنَ الْمُسَلَّمَاتِ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا بِدُونِ شَكٍّ وَلَا نِزَاعٍ وَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهَا أَيُّ خِلَافٍ.
وَلَكِنَّ غَيْرَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُسَلِّمُوا بِذَلِكَ، فاليهود قَالُوا: عَزِيز ابْنُ اللَّهِ، وَالنَّصَارَى قَالُوا: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، وَالْمُشْرِكُونَ قَالُوا: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللَّهِ، فَاتَّفَقُوا عَلَى ادِّعَاءِ الْوَلَدِ للَّه، وَلَمْ يَدَّعِ أَحَدٌ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ مَوْلُودٌ.
وَقَدْ جَاءَتِ النُّصُوصُ الصَّرِيحَةُ فِي نَفْيِ الْوَلَدِ عَنِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، إِلَّا أَنَّ مُجَرَّدَ النَّصِّ الَّذِي لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ الْخَصْمُ لَا يَكْفِي لِإِقْنَاعِهِ، وَفِي هَذِهِ السُّورَةِ وَهِيَ الْمُخْتَصَّةُ بِصِفَاتِ اللَّهِ، لَمْ يَأْتِ التَّنْوِيهُ فِيهَا عَنِ الْمَانِعِ مِنِ اتِّخَاذِ اللَّهِ لِلْوَلَدِ، وَمِنْ كَوْنِهِ سُبْحَانَهُ لَمْ يُولَدْ.
وَلَمَّا كَانَ بَيَانُ الْمَانِعِ أَوِ الْمُوجِبِ مِنْ مَنْهَجِ هَذَا الْكِتَابِ، إِذَا كَانَ يُوجَدُ لِلْحُكْمِ مُوجِبٌ أَوْ مَانِعٌ وَلَمْ تَتَقَدَّمِ الْإِشَارَةُ إِلَى ذَلِكَ، فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ رَحِمَهُ اللَّه، قَدْ تَكَلَّمَ عَلَى آيَاتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute