فَقَوْلُهُ: «إِلَى أَهْلِ» الْأَرْضِ، لَوْ لَمْ يُرَدْ بِهِ الِاحْتِرَازُ عَنْ رَسُولٍ بُعِثَ لِغَيْرِ أَهْلِ الْأَرْضِ، لَكَانَ ذَلِكَ الْكَلَامُ حَشْوًا، بَلْ يُفْهَمُ من مَفْهُوم مُخَالفَته مَا ذكرنَا. ويستأنس لَهُ بِكَلَامِ ابْنِ عَطِيَّةَ الَّذِي قَدَّمْنَا نَقْلَ الْقُرْطُبِيِّ لَهُ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ آدَمَ أُرْسِلَ إِلَى ذُرِّيَّتِهِ وَهُمْ عَلَى الْفِطْرَةِ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُمْ كُفْرٌ فَأَطَاعُوهُ، وَنُوحٌ هُوَ أَوَّلُ رَسُولٍ أُرْسِلَ لِقَوْمٍ كَافِرِينَ يَنْهَاهُمْ عَنِ الْإِشْرَاكِ باللَّه تَعَالَى، وَيَأْمُرُهُمْ بِإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ وَحْدَهُ، وَيَدُلُّ لِهَذَا الْوَجْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً} . أَيْ: عَلَى الدِّينِ الْحَنِيفِ، أَيْ حَتَّى كَفَرَ قَوْمُ نُوحٍ، وَقَوْلُهُ: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيّينَ} . واللَّه تَعَالَى أَعلم.] (١) .
فصل سيدنَا إِدْرِيس - عَلَيْهِ السَّلَام -
[وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة - قَوْله تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّيْنَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَاءِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَآ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّواْ سُجَّداً وَبُكِيّاً} -: قَالَ السُّدِّيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: فَالَّذِي عَنَى بِهِ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ: «إِدْرِيسُ» . وَالَّذِي عَنَى بِهِ مِنْ ذُرِّيَّةِ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ: «إِبْرَاهِيمُ» . وَالَّذِي عَنَى بِهِ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ: «إِسْحَاقُ وَيَعْقُوبُ وَإِسْمَاعِيلُ» . وَالَّذِي عَنَى بِهِ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِسْرَائِيلَ: «مُوسَى وَهَارُونُ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى
ابْنُ مَرْيَمَ» . قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَلِذَلِكَ فَرَّقَ أَنْسَابَهُمْ وَإِنْ كَانَ يَجْمَعُ جَمِيعَهُمْ آدَمُ، لِأَنَّ فِيهِمْ مَنْ لَيْسَ مِنْ وَلَدِ مَنْ
كَانَ مَعَ نُوحٍ فِي السَّفِينَةِ وَهُوَ إِدْرِيسُ فَإِنَّهُ جَدُّ نُوحٍ.
قُلْتُ: هَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ أَنَّ إِدْرِيسَ فِي عَمُودِ نَسَبِ نُوحٍ عَلَيْهِمَا وعَلى نَبينَا
(١) - ١/١٩٤ - ١٩٥، الْبَقَرَة / ٢٥٣.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute