للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُكَلَّمٌ» (١) ، قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ تَكْلِيمَ آدَمَ كَانَ فِي الْجَنَّةِ، فَعَلَى هَذَا تَبْقَى خَاصِّيَّةُ مُوسَى اهـ.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِنِّي هُدًى} ، فِي سُورَةِ «الْبَقَرَةِ» مَا نَصُّهُ: لِأَنَّ آدَمَ كَانَ هُوَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامَ حَيَاتِهِ، بَعْدَ أَنْ أُهْبِطَ إِلَى الْأَرْضِ، وَالرَّسُولُ مِنَ اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِلَى وَلَدِهِ، فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ مَعْنِيًّا وَهُوَ، الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِقَوْلِهِ: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِنِّي هُدًى} ، أَيْ: رُسُلٌ اهـ مَحَلُّ الْحُجَّةِ مِنْهُ بِلَفْظِهِ

وَفِيهِ وَفِي كَلَامِ ابْنِ كَثِيرٍ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ «صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ» التَّصْرِيحُ بِأَنَّ آدَمَ رَسُولٌ وَهُوَ مُشْكِلٌ مَعَ مَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ نُوحًا عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَوَّلُ الرُّسُلِ وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيّينَ مِن بَعْدِهِ} ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا طَرِيقَ لِلْجَمْعِ إِلَّا مِنْ وَجْهَيْنِ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ آدَمَ أُرْسِلَ لِزَوْجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ فِي الْجَنَّةِ، وَنُوحٌ أَوَّلُ رَسُولٍ أُرْسِلَ فِي الْأَرْضِ، وَيَدُلُّ لِهَذَا الْجَمْعِ مَا ثَبَتَ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» وَغَيْرِهِمَا، وَيَقُولُ: «وَلَكِنِ ائْتُوا نُوحًا فَإِنَّهُ أَوَّلُ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّه إِلَى أهل الأَرْض» الحَدِيث (٢) .


(١) - وَهَذَا جُزْء مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - السَّابِق، وَفِيه: (قلت: يَا رَسُول الله كم الْأَنْبِيَاء؟ قَالَ: مائَة ألف وَعِشْرُونَ ألفا، قلت يَا رَسُول الله: كم الرُّسُل من ذَلِك؟ قَالَ: ثَلَاث مائَة وَثَلَاثَة عشر جما غفيرا، قَالَ قلت يَا رَسُول الله من كَانَ أَوَّلهمْ قَالَ آدم قلت يَا رَسُول الله: أَنَبِي مُرْسل؟ قَالَ: نعم، خلقه الله بِيَدِهِ وَنفخ فِيهِ من روحه وَكَلمه قبلا) وَقد سبق بَيَان ضعفه بِطُولِهِ، إِلَّا أَن الشَّيْخ الألباني - رَحمَه الله - فِي الصَّحِيحَة (٦/٣٦١ - ٣٦٤) ذكر لَهُ متابعات عِنْد أبي نعيم وَلم يسق - أَي الشَّيْخ الألباني - لَفظهَا، وَمَال إِلَى تَقْوِيَة الحَدِيث بِطُولِهِ، إِلَّا أَن الِاسْتِدْلَال بذلك على ثُبُوت أَجْزَائِهِ غير مُسَلَّم، وَقد تتبع شَيخنَا أَبُو الْهَيْثَم - حفظه الله - الْأَلْفَاظ الَّتِي سَاقهَا صَاحب الْحِلْية، وَمَال إِلَى عدم ثُبُوت الزِّيَادَة الَّتِي تثبت أَن سيدنَا آدم - عَلَيْهِ السَّلَام - كَانَ رَسُولا، وَعِنْدِي أَنه على فرض ثُبُوت هَذِه الزِّيَادَة فَإِنَّهَا لَا تَسْتَلْزِم إِثْبَات أَنه رَسُول، بل الرسَالَة هُنَا بالنعنى اللّغَوِيّ، وَالله أعلم.
(٢) - أخرجه البُخَارِيّ (٣/١٢١٥) (٣١٦٢) ، وَمُسلم (١/١٨٤) (١٩٤) مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

<<  <  ج: ص:  >  >>