أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) . ثُمَّ قَالَ: (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ) . وبيَّن فِي سُورَةِ «الْمُمْتَحِنَةِ» أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ لِلْمُشْرِكِينَ مُسْتَثْنًى مِنَ الْأُسْوَةِ بِإِبْرَاهِيمَ، وَالْأُسْوَةُ: الِاقْتِدَاءُ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا) إِلَى قَوْلِهِ (إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) ، أَيْ فَلَا أُسْوَةَ لَكُمْ فِي إِبْرَاهِيمَ فِي ذَلِكَ.
وَلَمَّا نَدِمَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى اسْتِغْفَارِهِمْ للْمُشْرِكين حِين قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ: (مَا كَانَ لِلنَّبِىِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ) بيَّن اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ مَعْذُورُونَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ مَنْعَ ذَلِكَ قَبْلَ فِعْلِهِ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ) ] (١) .
أَعمال الْكَافِر الصَّالِحَة قد يجازى بهَا فِي الدُّنْيَا:
[الْقُرْآن وَالسُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ، قَدْ دَلَّا عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ إِنْ عَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا مُطَابِقًا لِلشَّرْعِ، مُخْلِصًا فِيهِ لِلَّهِ، كَالْكَافِرِ الَّذِي يَبَرُّ وَالِدَيْهِ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيُنَفِّسُ عَنِ الْمَكْرُوبِ، وَيُعِينُ الْمَظْلُومَ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ يُثَابُ بِعَمَلِهِ فِي دَارِ الدُّنْيَا خَاصَّةً بِالرِّزْقِ وَالْعَافِيَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَا نَصِيبَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، فَمِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَن كَانَ يُرِيدُ الْحياةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِى الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِى الآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ) وَقَدْ قَيَّدَ تَعَالَى هَذَا الثَّوَابَ الدُّنْيَوِيَّ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَاتِ بِمَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ، فِي قَوْله تَعَالَى: (مَّن كَانَ يُرِيدُ
(١) - ٤/٣١٠ - ٣١١، مَرْيَم / ٤٧.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute