وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) وَقَوْلِهِ: (وَإِنِّى لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً) . إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ. وَأَمَّا إِنْ كَانَتْ تَوْبَتُهُ مِنْ شِرْكِهِ عِنْدَ حُضُورِ الْمَوْتِ، فَإِنَّهَا لَا تَنْفَعُهُ، وَقَدْ دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ آيَاتٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) فَقَدْ دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمَوْتِ عَلَى الْكُفْرِ وَالتَّوْبَةِ مِنْهُ، عِنْدَ حُضُورِ الْمَوْتِ وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: (فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُواْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا) وَكَقَوْلِهِ فِي فِرْعَوْنَ: (حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ المُسْلِمِينَ آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) .] (١) .
إِيمَان الْكفَّار لَا يَنْفَعهُمْ بعد مُعَاينَة الْعَذَاب:
[قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ) . التَّحْقِيقُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، أَنَّ الْكُفَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ، يَتَذَكَّرُونَ وَيُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، وَأَنَّ الْإِيمَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَا يَنْفَعُهُمْ لِفَوَاتِ وَقْتِهِ، فَقَوْلُهُ (ذِكْرَاهُمْ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (فَأَنَّى لَهُمْ) أَيْ كَيْفَ تَنْفَعُهُمْ ذِكْرَاهُمْ وَإِيمَانُهُمْ بِاللَّهِ، وَقَدْ فَاتَ الْوَقْتُ الَّذِي يُقْبَلُ فِيهِ الْإِيمَانُ، وَالضَّمِيرُ الْمَرْفُوعُ فِي (جَاءَتْهُمْ) عَائِدٌ إِلَى السَّاعَةِ الَّتِي هِيَ الْقِيَامَةُ.
وَهَذَا الْمَعْنَى، الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ، مِنْ أَنَّ الْكُفَّارَ يَوْم الْقِيَامَة
(١) - ٥/٦٩٠: ٦٩٢، الْحَج /٣١.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute