للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- الله تَعَالَى يَأْمر أنبياءه - عَلَيْهِم السَّلَام - وينهاهم ليشرع لأممهم.

[قَوْله تَعَالَى: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِى الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} . قَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: {إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِى الأَرْضِ} ، قَدْ بَيَّنَّا الْحُكْمَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ، فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِى الأَرْضِ خَلِيفَةً} . وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ {فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ} قَدْ أَمَرَ نَبِيَّهُ دَاوُدَ فِيهِ، بِالْحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَنَهَاهُ فِيهِ عَنِ اتِّبَاعِ الْهَوَى، وَأَنَّ اتِّبَاعَ الْهَوَى، عِلَّةٌ لِلضَّلَالِ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، لِأَنَّ الْفَاءَ فِي قَوْلِهِ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ تَدُلُّ عَلَى الْعِلِّيَّةِ.

وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ، فِي مَسْلَكِ الْإِيمَاءِ وَالتَّنْبِيهِ، أَنَّ الْفَاءَ مِنْ حُرُوفِ التَّعْلِيلِ كَقَوْلِهِ: سَهَى فَسَجَدَ، وَسَرَقَ فَقُطِعَتْ يَدُهُ، أَوْ لِعِلَّةِ السَّهْوِ فِي الْأَوَّلِ، وَلِعِلَّةِ السَّرِقَةِ فِي الثَّانِي، وَأُتْبِعَ ذَلِكَ بِالتَّهْدِيدِ لِمَنِ اتَّبَعَ الْهَوَى، فَأَضَلَّهُ رَبُّنَا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَهُ يَلِيهِ: {إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ بِمَا نَسُواْ يَوْمَ الْحِسَابِ} .

وَمَعْلُومٌ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ، لَا يَحْكُمُ بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَلَا يَتَّبِعُ الْهَوَى، فَيُضِلَّهُ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى، يَأْمُرُ أَنْبِيَاءَهُ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَيَنْهَاهُمْ، لِيَشْرَعَ لِأُمَمِهِمْ.

وَلِذَلِكَ أَمَرَ نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِمِثْلِ مَا أَمَرَ بِهِ دَاوُدَ، وَنَهَاهُ أَيْضًا عَنْ مَثَلِ ذَلِكَ، فِي آيَاتٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ} . وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَآ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً} وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} .

وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَذَا، فِي سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>