للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَنْفَعُ عِقَابٌ مِنَ اللَّهِ عَلَى الْكُفْرِ السَّابِقِ عَلَى ذَلِكَ.

وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا هُوَ وَجْهُ رَدِّ شُبْهَةِ الْجَبْرِيَّةِ الَّتِي يَتَمَسَّكُونَ بِهَا فِي هَذِه الْآيَات الْمَذْكُورَة وأمثالها فِي الْقُرْآن الْعَظِيم، وَبِهَذَا الَّذِي قَرَّرْنَا يَحْصُلُ الْجَوَابُ أَيْضًا عَنْ سُؤَالٍ يَظْهَرُ لِطَالِبِ الْعِلْمِ فِيمَا قَرَّرْنَا: وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: قَدْ بَيَّنْتُمْ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ أَنَّ جَعْلَ الْأَكِنَّةِ عَلَى الْقُلُوبِ مِنْ نَتَائِجِ الْإِعْرَاضِ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ عِنْدَ التَّذْكِيرِ بِهَا، مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ يَدُلُّ عَكْسَ ذَلِكَ مِنْ أَنَّ الْإِعْرَاضَ الْمَذْكُورَ سَبَبُهُ هُوَ جَعْلُ الْأَكِنَّةِ عَلَى الْقُلُوبِ، لِأَنَّ «إِنَّ» مِنْ حُرُوفِ التَّعْلِيلِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ فِي مَسْلَكِ الْإِيمَاءِ وَالتَّنْبِيهِ، كَقَوْلِكَ: اقْطَعْهُ إِنَّهُ سَارِقٌ، وَعَاقِبْهُ إِنَّهُ ظَالِمٌ، فَالْمَعْنَى: اقْطَعْهُ لِعِلَّةِ سَرِقَتِهِ، وَعَاقِبْهُ لِعِلَّةِ ظُلْمِهِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِىَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} أَيْ أَعْرَضَ عَنْهَا لِعِلَّةِ جَعْلِ الْأَكِنَّةِ عَلَى قُلُوبِهِمْ. لِأَنَّ الْآيَاتِ الْمَاضِيَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الطَّبْعَ الَّذِي يُعَبَّرُ عَنْهُ تَارَةً بِالطَّبْعِ، وَتَارَةً بِالْخَتْمِ، وَتَارَةً بِالْأَكِنَّةِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ سَبَبُهُ الْأَوَّلُ الْإِعْرَاضُ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْكُفْرُ بِهَا كَمَا تَقَدَّمَ إيضاحه.] (١) .

- أَنْوَاع الأقلام.

[وَقَدْ ذُكِرَ الْقَلَمُ فِي السُّنَّةِ أَنْوَاعًا مُتَفَاوِتَةً، وَكُلُّهَا بَالِغَةُ الْأَهَمِّيَّةِ.

مِنْهَا: أَوَّلُهَا وَأَعْلَاهَا: الْقَلَمُ الَّذِي كَتَبَ مَا كَانَ وَمَا سَيَكُونُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَالْوَارِدُ فِي الْحَدِيثِ «أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ، قَالَ لَهُ: اكْتُبْ» الْحَدِيثَ (٢) .


(١) - ٤/١٥٧: ١٥٩، الْكَهْف / ٥٧، وَانْظُر أَيْضا: (٧/١٠٨: ١١٢) (فصلت / ٥) ، (٣/٥٤٢، ٥٤٣) (بني إِسْرَائِيل / ٦) .
(٢) - أخرجه أَبُو دَاوُد (٢/٦٣٧) (٤٧٠٠) ، وَالتِّرْمِذِيّ (٤/٤٥٧) (٢١٥٥) ,قَالَ: غَرِيب من هَذَا الْوَجْه، وَأحمد (٥/٣١٧) كلهم من حَدِيث عبَادَة - رَضِي الله عَنهُ -، والْحَدِيث صَححهُ الشَّيْخ الألباني - رَحمَه الله -.

<<  <  ج: ص:  >  >>