فَائِدَة: بَيَان أَن الْإِيمَان وَالْإِسْلَام اللغويين قد يجامعا الشّرك:
[قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ) . وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ إِشْكَالٌ: وَهُوَ أَنَّ الْمُقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْبَلَاغَةِ أَنَّ الْحَالَ قَيْدٌ لِعَامِلِهَا وَصْفٌ لِصَاحِبِهَا وَعَلَيْهِ؛ فَإِنَّ عَامِلَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ الْحَالِيَّةِ الَّذِي هُوَ يُؤْمِنُ مُقَيَّدٌ بِهَا، فَيَصِيرُ الْمَعْنَى تَقْيِيدُ إِيمَانِهِمْ بِكَوْنِهِمْ مُشْرِكِينَ، وَهُوَ مُشْكِلٌ لِمَا بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالشِّرْكِ مِنَ الْمُنَافَاةِ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ -: لَمْ أَرَ مَنْ شَفَى الْغَلِيلَ فِي هَذَا الْإِشْكَالِ، وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي - وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - أَنَّ هَذَا الْإِيمَانَ الْمُقَيَّدَ بِحَالِ الشِّرْكِ إِنَّمَا هُوَ إِيمَانٌ لُغَوِيٌّ لَا شَرْعِيٌّ؛ لِأَنَّ مَنْ يَعْبُدُ مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْإِيمَانِ الْبَتَّةَ شَرْعًا؛ أَمَّا الْإِيمَانُ اللُّغَوِيُّ فَهُوَ يَشْمَلُ كُلَّ تَصْدِيقٍ، فَتَصْدِيقُ الْكَافِرِ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْخَالِقُ الرَّازِقُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْإِيمَانِ لُغَةً مَعَ كُفْرِهِ بِاللَّهِ، وَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْإِيمَانِ شَرْعًا. وَإِذَا حَقَّقْتَ ذَلِكَ عَلِمْتَ أَنَّ الْإِيمَانَ اللُّغَوِيَّ يُجَامِعُ الشِّرْكَ فَلَا إِشْكَالَ فِي تَقْيِيدِهِ بِهِ، وَكَذَلِكَ الْإِسْلَامُ الْمَوْجُودُ دُونَ الْإِيمَانِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلكن قُولُواْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِى قُلُوبِكُمْ) فَهُوَ الْإِسْلَامُ اللُّغَوِيُّ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ الشَّرْعِيَّ لَا يُوجَدُ مِمَّنْ لَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قَلْبِهِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: «نَزَلَتْ آيَةُ (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ) فِي قَوْلِ الْكُفَّارِ فِي تَلْبِيَتِهِمْ: لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ» وَهُوَ رَاجع إِلَى مَا ذكرنَا] (١) .
(١) - ٣/٦٥ - ٦٦، يُوسُف /١٢.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute