للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- مَا هِيَ فتْنَة سُلَيْمَان - عَلَيْهِ السَّلَام -.

[قد أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا (١) مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى سَبْعِينَ امْرَأَةً وَفِي رِوَايَةٍ تِسْعِينَ امْرَأَةً، وَفِي رِوَايَةٍ مِائَةِ امْرَأَةٍ تَلِدُ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ غُلَامًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» فَقِيلَ لَهُ وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ لَهُ الْمَلِكُ: «قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ» فَلَمْ يَقُلْ. فَطَافَ بِهِنَّ فَلَمْ تَلِدْ مِنْهُنَّ إِلَّا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ نِصْفَ إِنْسَانٍ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ وَكَانَ دَرْكًا لِحَاجَتِهِ» . وَفِي رِوَايَةٍ «وَلَقَاتَلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فُرْسَانًا أَجْمَعُونَ» اهـ.

فَإِذَا عَلِمْتَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ بَيَّنَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً} . وَأَنَّ فِتْنَةَ سُلَيْمَانَ كَانَتْ بِسَبَبِ تَرْكِهِ قَوْلَهُ «إِنْ شَاءَ اللَّهُ» ، وَأَنَّهُ لَمْ يَلِدْ مِنْ تِلْكَ النِّسَاءِ إِلَّا وَاحِدَةً نِصْفَ إِنْسَانٍ، وَأَنَّ ذَلِكَ الْجَسَدَ الَّذِي هُوَ نِصْفُ إِنْسَانٍ هُوَ الَّذِي أُلْقِيَ عَلَى كُرْسِيِّهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً} ، فَمَا يَذْكُرُهُ الْمُفَسِّرُونَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَداً} ، مِنْ قِصَّةِ الشَّيْطَانِ الَّذِي أَخَذَ الْخَاتَمَ وَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّ سُلَيْمَانَ، وَطَرَدَ سُلَيْمَانَ عَنْ مُلْكِهِ. حَتَّى وَجَدَ الْخَاتَمَ فِي بَطْنِ السَّمَكَةِ الَّتِي أَعْطَاهَا لَهُ مَنْ كَانَ يَعْمَلُ عِنْدَهُ بِأَجْرٍ مَطْرُودًا عَنْ مُلْكِهِ، إِلَى آخِرِ الْقِصَّةِ لَا يَخْفَى أَنَّهُ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ، وَأَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِمَقَامِ النُّبُوَّةِ. فَهِيَ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ الَّتِي لَا يَخْفَى أَنَّهَا بَاطِلَةٌ.

وَالظَّاهِرُ فِي مَعْنَى الْآيَةِ هُوَ مَا ذَكَرْنَا، وَقَدْ دَلَّتِ السّنة الصَّحِيحَة عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَة، وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.] (٢) .


(١) - صَحِيح البُخَارِيّ (٣/١٠٣٨) (٣٣٩٢) ، وَمُسلم (٣/١٢٧٥) (١٦٥٤) .
(٢) - ٤/٨٤ - ٨٥، الْكَهْف / ٢٣ - ٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>