للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِجْمَاعَ وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي (شَرْحِ مُسْلِمٍ) ، أَوْ يُعْذَرُونَ بِالْفَتْرَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْآيَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، وَإِلَى هَذَا الْخِلَافِ أَشَارَ فِي (مَرَاقِي السُّعُودِ) بِقَوْلِهِ:

ذُو فَتْرَةٍ بِالْفَرْعِ لَا يُرَاعُ ... وَفِي الْأُصُولِ بَيْنَهُمْ نِزَاعُ

وَقَدْ حَقَّقْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَعَ مُنَاقَشَةِ أَدِلَّةِ الْفَرِيقَيْنِ فِي كِتَابِنَا (دَفْعُ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ عَنْ آيَاتِ الْكِتَابِ) فِي سُورَةِ «بَنِي إِسْرَائِيلَ» فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} ، وَلذَلِك اختصرناها هُنَا.] (١) .

- مَسْأَلَة: أهل الفترة معذورون فِي الدُّنْيَا، ويختبرون فِي الْآخِرَة.

[قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} . ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ اللَّهَ جلَّ وَعَلَا لَا يُعَذِّبُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ. حَتَّى يَبْعَثَ إِلَيْهِ رَسُولًا يُنْذِرُهُ وَيُحَذِّرُهُ فَيُعْصَى ذَلِكَ الرَّسُولُ، وَيُسْتَمَرُّ عَلَى الْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ بَعْدَ الْإِنْذَارِ وَالْإِعْذَارِ.

وَقَدْ أَوْضَحَ جلَّ وَعَلَا هَذَا الْمَعْنَى فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} فَصَرَّحَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: بِأَنْ لَا بُدَّ أَنْ يَقْطَعَ حُجَّةَ كُلِّ أَحَدٍ بِإِرْسَالِ الرُّسُلِ، مُبَشِّرِينَ مَنْ أَطَاعَهُمْ بِالْجَنَّةِ، وَمُنْذِرِينَ مَنْ عَصَاهُمُ النَّارَ.

وَهَذِهِ الْحُجَّةُ الَّتِي أَوْضَحَ هُنَا قَطَعَهَا بِإِرْسَالِ الرُّسُلِ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ. بَيَّنَهَا فِي آخِرِ سُورَةِ طَهَ بِقَوْلِهِ {وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى} .

وَأَشَارَ لَهَا فِي سُورَةِ الْقَصَصِ بِقَوْلِهِ: {وَلَوْلا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا


(١) - ٢/٣٠٠: ٣٠٣، الْأَعْرَاف / ١٧٢، ١٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>