فَعَلُوهُ مِنْ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، وَجَلِيلٍ وَحَقِيرٍ، وَبَيَّنَ هَذَا الْمَعْنَى فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ كَقَوْلِهِ: {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ} ، وَقَوْلِهِ: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِى الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ} وَقَوله: {مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِى السَّمَآءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذالِكَ وَلا? أَكْبَرَ إِلاَّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ} .
تَنْبِيهٌ:
فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الرَّدُّ الصَّرِيحُ عَلَى الْمُعْتَزِلَةِ النَّافِينَ صِفَاتِ الْمَعَانِي، الْقَائِلِينَ: إِنَّهُ تَعَالَى عَالِمٌ بِذَاتِهِ، لَا بِصِفَةٍ قَامَتْ بِذَاتِهِ، هِيَ الْعِلْمُ، وَهَكَذَا فِي قَوْلِهِمْ: قَادِرٌ مُرِيدٌ، حَيٌّ سَمِيعٌ، بَصِيرٌ مُتَكَلِّمٌ، فَإِنَّهُ هُنَا أَثْبَتَ لِنَفْسِهِ صِفَةَ الْعِلْمِ بِقَوْلِهِ: {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ} وَنَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى: {أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ} . وَهِيَ أَدِلَّةٌ قُرْآنِيَّةٌ صَرِيحَةٌ فِي بُطْلَانِ مَذْهَبِهِمُ الَّذِي لَا يَشُكُّ عَاقِلٌ فِي بُطْلَانِهِ وَتَنَاقُضِهِ] (١) .
الرَّد على الْجَهْمِية الْقَائِلين بِأَن الله فِي كل مَكَان:
[وَاعْلَمْ أَنَّ مَا يَزْعُمُهُ الْجَهْمِيَّةُ «مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فِي كُلِّ مَكَانٍ» مُسْتَدِلِّينَ بِهَذِهِ الْآيَة - أَي قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْض) - عَلَى أَنَّهُ فِي الْأَرْضِ ضَلَالٌ مُبِينٌ، وَجَهْلٌ بِاللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ جَمِيعَ الْأَمْكِنَةِ الْمَوْجُودَةِ أَحْقَرُ وَأَصْغَرُ مِنْ أَنْ يَحِلَّ فِي شَيْءٍ مِنْهَا رب السَّمَاوَات وَالْأَرْض الَّذِي هُوَ
(١) - ٢/٢٦٠ - ٢٦١، الْأَعْرَاف / ٧.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute