ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ جَاحِدَ هَذَا الدَّلِيلِ إِنَّمَا هُوَ مُكَابِرٌ جَاهِلٌ، ضَالٌّ مُضِلٌّ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ بَعْدَهُ مُبَاشَرَةً: {ومِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِى اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ ثَانِىَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِى الدُّنْيَا خِزْىٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلعَبِيدِ} .
وَمن هُنَا كَانَ أَوَّلُ نِدَاءٍ فِي الْمُصْحَفِ يُوَجَّهُ إِلَى النَّاسِ جَمِيعًا بِعِبَادَةِ اللَّهِ كَانَ لِاسْتِحْقَاقِهِ عِبَادَتَهُ وَحْدَهُ، لِأَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِصِفَةِ الْخَلْقِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِىْ خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَآءَ بِنَآءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} . أَيْ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا لَهُ بِأَنْدَادٍ فِيمَا اتَّصَفَ بِهِ سُبْحَانَهُ فَلَا تُشْرِكُوهُمْ مَعَ اللَّهِ فِي عِبَادَتِهِ.
فَكَانَتْ هَذِهِ الصِّفَاتُ لِلَّهِ تَعَالَى فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ حَقًّا أَدِلَّةً عَلَى إِثْبَاتِ وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي ذَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَأَنَّهُ الْمُسْتَحَقُّ لِأَنْ يُعْبَدَ وَحْدَهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ... ] (١) .
- صِفَات من يسْتَحق الْعِبَادَة وَمن لَا يَسْتَحِقهَا.
[قَوْله تَعَالَى: {مَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًى} . صِيغَةُ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ: خَلَقْنَا لِلتَّعْظِيمِ.
وَقَوْلُهُ: إِلَّا بِالْحَقِّ أَي خلقا متلبساً بِالْحَقِّ.
(١) - ٨/١٠٨: ١١٧، الْحَشْر / ٢٢: ٢٤. وَهَذَا الْمقَال قد أثْبته هُنَا كَامِلا لربط عباراته، وَعدم قطع تسلسلها، وَقد سبق نقل صَدره عِنْد الْكَلَام على بَيَان تلازم أَنْوَاع التَّوْحِيد، وَنقل جملا من أَثْنَائِهِ عِنْد الْكَلَام على صفة الْخلق، وتضمنها لصفة التَّصْوِير.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute