للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرا) .

فَلَمَّا جَاءَ بَعْضُ آيَاتِ اللَّهِ وَظَهَرَ الْحَقُّ، لَمْ يَكُنْ لِلْإِيمَانِ مَحَلٌّ بَعْدَ الْمُعَايَنَةِ (لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا) أَيْ مِنْ قَبْلِ الْمُعَايَنَةِ كَحَالَةِ فِرْعَوْنَ الْمَذْكُورَةِ، لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ التَّصْدِيقُ بِالْمُغَيَّبَاتِ، فَإِذَا عَايَنَهَا لَمْ تَكُنْ حِينَذَاكَ غَيْبًا، فَيَفُوتُ وَقْتُ الْإِيمَانِ، وَالْعلم عِنْد الله، وَعَلِيهِ حَدِيث التَّوْبَة: فَلم (١) يُغَرْغر (٢) ] (٣) .

لَا نَسْتَغْفِر للْمُشْرِكين:

[قَوْله: (سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي) وَعْدٌ مِنْ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ بِاسْتِغْفَارِهِ لَهُ، وَقَدْ وَفَّى بِذَلِكَ الْوَعْدِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْهُ: (وَاغْفِرْ لأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ) ، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْهُ: (رَبَّنَا اغْفِرْ لِى وَلِوَالِدَىَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) وَلَكِن الله بَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ، وَلَمْ يَسْتَغْفِرْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ) وَالْمَوْعِدَةُ الْمَذْكُورَةُ هِيَ قَوْلُهُ هُنَا (سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي) الْآيَةَ. وَلَمَّا اقْتَدَى الْمُؤْمِنُونَ بِإِبْرَاهِيمَ فَاسْتَغْفَرُوا لِمَوْتَاهُمُ الْمُشْرِكِينَ، وَاسْتَغْفَرَ النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ - أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ (مَا كَانَ لِلنَّبِىِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِى قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ


(١) - كَذَا بِالْأَصْلِ، وَالصَّوَاب: "مَا لم يُغَرْغر".
(٢) - أخرجه التِّرْمِذِيّ (٥/٥٤٧) (٣٥٣٧) ، وَقَالَ: حسن غَرِيب، وَأحمد (٢/١٣٢) ، وَحسنه الشَّيْخ الألباني - رَحمَه الله -، والأرناؤوط.
(٣) - ٨/٣٩٨ - ٣٩٩، الْملك / ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>