للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصل فِي الْأَعْذَار

الْعذر بِالْإِكْرَاهِ، وَالنِّسْيَان، وَالْخَطَأ

- الْعذر بِالْإِكْرَاهِ من خَصَائِص هَذِه الْأمة.

[أَخَذَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ - أَي قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً} - أَنَّ الْعُذْرَ بِالْإِكْرَاهِ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ عَنْ أَصْحَابِ الْكَهْفِ {إِن يَظْهَرُواْ عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِى مِلَّتِهِمْ} ظَاهِرٌ فِي إِكْرَاهِهِمْ عَلَى ذَلِكَ وَعَدَمِ طَوَاعِيَتِهِمْ، وَمَعَ هَذَا قَالَ عَنْهُمْ: {وَلَن تُفْلِحُواْ إِذًا أَبَدًا} فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْإِكْرَاهَ لَيْسَ بِعُذْرٍ. وَيَشْهَدُ لِهَذَا الْمَعْنَى حَدِيثُ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ فِي الَّذِي دَخَلَ النَّارَ فِي ذُبَابٍ قَرَّبَهُ مَعَ الْإِكْرَاهِ بِالْخَوْفِ مِنَ الْقَتْلِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ الَّذِي امْتَنَعَ أَنْ يُقَرِّبَ وَلَوْ ذُبَابًا قَتَلُوهُ (١) .

وَيَشْهَدُ لَهُ أَيْضًا دَلِيلُ الْخِطَابِ، أَيْ مَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» (٢) فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: «تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي» أَنَّ غَيْرَ أُمَّتِهِ مِنَ الْأُمَمِ لَمْ يَتَجَاوَزْ لَهُمْ عَن


(١) - أخرجه أَحْمد فِي " الزّهْد " (١/١٥) ، وَابْن أبي شيبَة فِي " المُصَنّف " (٦/٤٧٣) (٣٣٠٣٨) ، وَأَبُو نعيم فِي " الْحِلْية " (١/٢٠٣) من طرق عَن سلمَان - رَضِي الله عَنهُ - مَوْقُوفا عَلَيْهِ، وَهَذَا الْأَثر صَحِيح الْإِسْنَاد لسلمان، وَلكنه لَيْسَ لَهُ حكم الرّفْع لِأَن سلمَان مَعْرُوف بِرِوَايَة الْإسْرَائِيلِيات.
(٢) - أخرجه ابْن مَاجَه (١/٦٥٩) (٢٠٤٣) مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، (٢٠٤٥) مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - والْحَدِيث صَححهُ الشَّيْخ الألباني - رَحمَه الله -.

<<  <  ج: ص:  >  >>