وَفِي هَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ فِي الْقُرْآنِ مِمَّا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى، وَقَدْ جَاءَ مَا يَدُلُّ أَنْ مَعَانٍ أُخْرَى كَذَلِكَ
فِي صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى كَمَا فِي سُورَةِ النَّجْمِ فِي قَوْلِهِ: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِى صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِى وَفَّى أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى} .
وَهَذَا يُؤَيِّدُ أَنَّهَا أَكْثَرُهَا أَمْثَالًا وَمَوَاعِظَ، كَمَا يُؤَكِّدُ تَرَابُطَ الْكتب السماوية.] (١) .
- الْكتاب الَّذِي أَخذه يحيى - عَلَيْهِ السَّلَام - بِقُوَّة هُوَ: التَّوْرَاة.
[اعْلَمْ أَنَّهُ هُنَا وَصَفَهُ بِأَنَّهُ قَالَ لَهُ {يايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} وَوَصَفَهُ بِقَوْلِهِ {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ} إِلَى قَوْلِهِ {وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً} . فَقَوْلُهُ {يايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ} مَقُولُ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ. أَيْ وَقُلْنَا لَهُ يَا يحيى خُذ الْكتاب بِقُوَّة. وَالْكتاب: التوارة. أَيْ خُذِ التَّوْرَاةَ بِقُوَّةٍ. أَيْ بِجِدٍّ وَاجْتِهَادٍ، وَذَلِكَ بِتَفَهُّمِ الْمَعْنَى أَوَّلًا حَتَّى يَفْهَمَهُ عَلَى الْوَجْهِ الصَّحِيحِ، ثُمَّ يَعْمَلَ بِهِ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ، فَيَعْتَقِدَ عَقَائِدَهُ، وَيُحِلَّ حَلَالَهُ، وَيُحَرِّمَ حَرَامَهُ، وَيَتَأَدَّبَ بِآدَابِهِ، وَيَتَّعِظَ بِمَوَاعِظِهِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ جِهَاتِ الْعَمَلِ بِهِ. وَعَامَّةُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَن المُرَاد بِالْكتاب هُنَا: التوارة. وَحَكَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعَ.
وَقِيلَ: هُوَ كِتَابٌ أُنْزِلَ عَلَى يَحْيَى، وَقِيلَ: هُوَ اسْمُ جِنْسٍ يَشْمَلُ الْكُتُبَ الْمُقَدَّمَةَ. وَقِيلَ: هُوَ صُحُفُ إِبْرَاهِيم. وَالْأَظْهَر قَول الْجُمْهُور: إِنَّه التَّوْرَاة
(١) - ٩/١٨٤، الْأَعْلَى/١٦: ١٩.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute