للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَاعِدَة: الْإِيمَان وَالْإِسْلَام إِذا اجْتمعَا افْتَرقَا، وَإِذا افْتَرقَا اجْتمعَا:

[قَوْله فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ (الَّذِينَ آمَنُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ) ظَاهِرُهُ الْمُغَايِرَةُ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ.

وَقد دلّ بَعْضُ الْآيَاتِ عَلَى اتِّحَادِهِمَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ) . وَلَا مُنَافَاةَ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ الْإِيمَانَ يُطْلَقُ تَارَةً عَلَى جَمِيعِ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ مِنَ الِاعْتِقَادِ وَالْعَمَلِ. كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ، فِي حَدِيثِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ، وَالْأَحَادِيثُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَمِنْ أَصَرَحِهَا فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ» . وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الثَّابِتَةِ فِي الصَّحِيحِ «وَسِتُّونَ شُعْبَةً أَعْلَاهَا شَهَادَةُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ» . فَقَدْ سَمَّى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِمَاطَةَ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ» إِيمَانًا. وَقَدْ أَطَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ، فِي ذِكْرِ الْأَعْمَالِ الَّتِي جَاءَ الْكتاب وَالسّنة تَسْمِيَتهَا إِيمَانًا.

فَالْإِيمَانُ الشَّرْعِيُّ التَّامُّ وَالْإِسْلَامُ الشَّرْعِيُّ التَّامُّ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ. وَقَدْ يُطْلَقُ الْإِيمَانُ إِطْلَاقًا آخَرُ عَلَى خُصُوصِ رُكْنِهِ الْأَكْبَرِ الَّذِي هُوَ الْإِيمَانُ بِالْقَلْبِ، كَمَا فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحِ.

وَالْقَلْبُ مُضْغَةٌ فِي الْجَسَدِ إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، فَغَيْرُهُ تَابِعٌ لَهُ؛ وَعَلَى هَذَا تَحْصُلُ الْمُغَايَرَةُ فِي الْجُمْلَةِ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ؛ فَالْإِيمَانُ، عَلَى هَذَا الْإِطْلَاقِ، اعْتِقَادٌ وَالْإِسْلَامُ شَامِلٌ لِلْعَمَلِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مُغَايَرَتَهُ تَعَالَى بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلكن قُولُواْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِى قُلُوبِكُمْ) قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: الْمُرَادُ بِالْإِيمَانِ هُنَا، مَعْنَاهُ الشَّرْعِيُّ، وَالْمُرَادُ بِالْإِسْلَامِ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ. لِأَنَّ إِذْعَانَ الْجَوَارِحِ وَانْقِيَادَهَا دُونَ إِيمَانِ الْقَلْبِ إِسْلَامٌ لُغَةً لَا شَرْعًا.

وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: الْمُرَادُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا مَعْنَاهُ الشَّرْعِيُّ، وَلَكِنَّ نَفْيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>