التَّخَالُفِ. فَبِأَيِّ وَجْهٍ يُعْقَلُ دُخُولُ صِفَةِ الْمَخْلُوقِ فِي اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى صِفَةِ الْخَالِقِ؟ أَوْ دُخُولُ صِفَةِ الْخَالِقِ فِي اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى صِفَةِ الْمَخْلُوقِ مَعَ كَمَالِ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ؟
فَكُلُّ لَفْظٍ دَلَّ عَلَى صِفَةِ الْخَالِقِ ظَاهِرُهُ الْمُتَبَادِرُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ لَائِقًا بِالْخَالِقِ مُنَزَّهًا عَنْ مُشَابَهَةِ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِ.
وَكَذَلِكَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى صِفَةِ الْمَخْلُوقِ لَا يُعْقَلُ أَنْ تَدْخُلَ فِيهِ صِفَةُ الْخَالِقِ.
فَالظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ مِنْ لَفْظِ الْيَدِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَخْلُوقِ، هُوَ كَوْنُهَا جَارِحَةً هِيَ عَظْمٌ وَلَحْمٌ وَدَمٌ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَتَبَادَرُ إِلَى الذِّهْنِ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاقْطَعُو?اْ أَيْدِيَهُمَا} .
وَالظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ مِنَ الْيَدِ بِالنِّسْبَةِ لِلْخَالِقِ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ} أَنَّهَا صِفَةُ كَمَالٍ وَجَلَالٍ، لَائِقَةٌ بِاللَّهِ جَلَّ وَعَلَا ثَابِتَةٌ لَهُ عَلَى الْوَجْهِ اللَّائِقِ بِكَمَالِهِ وَجَلَالِهِ.
وَقَدْ بَيَّنَ جَلَّ وَعَلَا عِظَمَ هَذِهِ الصِّفَةِ وَمَا هِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْكَمَالِ وَالْجَلَالِ، وَبَيَّنَ أَنَّهَا مِنْ صِفَاتِ التَّأْثِيرِ كَالْقُدْرَةِ، قَالَ تَعَالَى فِي تَعْظِيمِ شَأْنِهَا {وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} .
وَبَيِّنَ أَنَّهَا صِفَةُ تَأْثِيرٍ كَالْقُدْرَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ ياإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ} ، فَتَصْرِيحُهُ تَعَالَى بِأَنَّهُ خَلَقَ نَبِيَّهُ آدَمَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي هِيَ صِفَاتُ كَمَالِهِ وَجَلَالِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مِنْ صِفَاتِ التَّأْثِيرِ كَمَا تَرَى.
وَلَا يَصِحُّ هُنَا تَأْوِيلُ الْيَدِ بِالْقُدْرَةِ الْبَتَّةَ، لِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، كُلِّهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَثْنِيَةُ الْقُدْرَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute