فَالْإِجْمَاعُ الْمَعْدُومُ الْمَزْعُومُ لَمْ يَرِدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَلَا فِي سُنَّةِ رَسُولِهِ، وَلَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ، وَلَا مِنْ تَابِعِيهِمْ وَلَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَلَا مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ الْمَعْرُوفِينَ.
وَإِنَّمَا لَمْ يَقُولُوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ ظَوَاهِرَ نُصُوصِ الْوَحْيِ لَا تَدُلُّ إِلَّا عَلَى تَنْزِيهِ اللَّهِ عَنْ مُشَابَهَةِ خَلْقِهِ، وَهَذَا الظَّاهِرُ الَّذِي هُوَ تَنْزِيهُ اللَّهِ لَا دَاعِيَ لِصَرْفِهَا عَنْهُ كَمَا تَرَى.
وَلِأَجْلِ هَذَا كُلِّهِ قُلْنَا فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَوْصُوفٌ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا، لِأَنَّا نَعْتَقِدُ اعْتِقَادًا جَازِمًا لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ شَكٌّ، أَنَّ ظَوَاهِرَ آيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَحَادِيثِهَا، لَا تَدُلُّ الْبَتَّةَ إِلَّا عَلَى التَّنْزِيهِ عَنْ مُشَابَهَةِ الْخَلْقِ وَاتِّصَافِهِ تَعَالَى بِالْكَمَالِ وَالْجَلَالِ.
وَإِثْبَاتُ التَّنْزِيهِ وَالْكَمَالِ وَالْجَلَالِ لِلَّهِ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا لَا يُنْكِرُهُ مُسْلِمٌ.
وَمِمَّا يَدْعُو إِلَى التَّصْرِيحِ بِلَفْظِ الْحَقِيقَةِ، وَنَفْيِ الْمَجَازِ، كَثْرَةُ الْجَاهِلِينَ الزَّاعِمِينَ أَنَّ تِلْكَ الصِّفَاتِ لَا حَقَائِقَ لَهَا، وَأَنَّهَا كُلَّهَا مَجَازَاتٌ، وَجَعَلُوا ذَلِكَ طَرِيقًا إِلَى نَفْيِهَا؛ لِأَنَّ الْمَجَازَ يَجُوزُ نَفْيُهُ، وَالْحَقِيقَةُ لَا يَجُوزُ نَفْيُهَا.
فَقَالُوا مَثَلًا: الْيَدُ مَجَازٌ يُرَادُ بِهِ الْقُدْرَةُ وَالنِّعْمَةُ أَوِ الْجُودُ، فَنَفَوْا صِفَةَ الْيَدِ، لِأَنَّهَا مَجَازٌ.
وَقَالُوا عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى: مَجَازٌ فَنَفَوُا الِاسْتِوَاءَ، لِأَنَّهُ مَجَازٌ.
وَقَالُوا: مَعْنَى اسْتَوَى: اسْتَوْلَى، وَشَبَّهُوا اسْتِيلَاءَهُ بِاسْتِيلَاءِ بِشْرِ بْنِ مَرْوَانَ عَلَى الْعِرَاقِ.
وَلَوْ تَدَبَّرُوا كِتَابَ اللَّهِ، لِمَنَعَهُمْ ذَلِكَ مِنْ تَبْدِيلِ الِاسْتِوَاءِ بِالِاسْتِيلَاءِ، وَتَبْدِيلِ الْيَدِ بِالْقُدْرَةِ، أَوِ النِّعْمَةِ، لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا يَقُولُ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزًا مِّنَ السَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} . وَيَقُولُ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute