للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِنْ دَلَّ عَلَى مَعْنًى آخَرَ حُكِمَ بِهِ.

فَقَوْلُهُ مَثَلًا: {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} قَامَ فِيهِ الْبُرْهَانُ الْقَطْعِيُّ أَنَّهُ حَافِظٌ وَاحِدٌ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {أَم نَحْنُ الْخَالِقُونَ} ، {أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ} ، {أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ} فَإِنَّهُ قَدْ قَامَ فِي كُلِّ ذَلِكَ الْبُرْهَانُ الْقَطْعِيُّ عَلَى أَنَّهُ خَالِقٌ وَاحِدٌ، وَمُنْزِلٌ وَاحِدٌ، وَمُنْشِئٌ وَاحِدٌ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ} فَقَدْ دَلَّ الْبُرْهَانُ الْقَطْعِيُّ، عَلَى أَنَّ اللَّهَ مَوْصُوفٌ بِصِفَةِ الْيَدَيْنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي قَوْلِهِ: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ} كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ قَرِيبًا.

وَقَدْ عَلِمَتْ أَنَّ صِيغَةَ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ: {لَحَافِظُونَ} ، وَقَوْلِهِ: {أَم نَحْنُ الْخَالِقُونَ} وَقَوْلِهِ: {أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ} وَقَوْلِهِ: {أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ} وَقَوْلِهِ: {خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ} لَا يُرَادُ بِشَيْءٍ مِنْهُ مَعْنَى الْجَمْعِ، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ التَّعْظِيمُ فَقَطْ.

وَقَدْ أَجَابَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الْإِبَانَةِ بِمَا يَقْرُبُ مِنْ هَذَا فِي الْمَعْنَى.

وَاعْلَمْ أَنَّ لَفْظَ الْيَدَيْنِ، قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ اسْتِعْمَالًا خَاصًّا، بِلَفْظٍ خَاصٍّ لَا تُقْصَدُ بِهِ فِي ذَلِكَ النِّعْمَةُ وَلَا الْجَارِحَةُ وَلَا الْقُدْرَةُ، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ مَعْنَى أَمَامٍ.

وَاللَّفْظُ الْمُخْتَصُّ بِهَذَا الْمَعْنَى هُوَ لَفْظَةُ الْيَدَيْنِ الَّتِي أُضِيفَتْ إِلَيْهَا لَفْظَةُ بَيْنَ خَاصَّةً، أَعْنِي لَفْظَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ أَمَامُهُ. وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ عَرَبِيٌّ مَعْرُوفٌ مَشْهُورٌ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ لَا يُقْصَدُ فِيهِ مَعْنَى الْجَارِحَةِ وَلَا النِّعْمَةِ وَلَا الْقُدْرَةِ، وَلَا أَيَّ صِفَةٍ كَائِنَةٍ مَا كَانَتْ.

وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ أَمَامٌ فَقَطْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن نُّؤْمِنَ بِهَاذَا الْقُرْآنِ وَلاَ بِالَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ}

أَيْ وَلَا بِالَّذِي كَانَ أَمَامَهُ سَابِقًا عَلَيْهِ مِنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>