للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ} ، فَأَثْبَتَ لِنَفْسِهِ وَجْهًا وَيَدَيْنِ.

فَإِنْ قَالُوا: فَمَا أَنْكَرْتُمْ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ {خَلَقْتُ بِيَدَىَّ} أَنَّهُ خَلَقَهُ بِقُدْرَتِهِ أَوْ بِنِعْمَتِهِ، لِأَنَّ الْيَدَ فِي اللُّغَةِ قَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى النِّعْمَةِ، وَبِمَعْنَى الْقُدْرَةِ، كَمَا يُقَالُ: لِي عِنْدَ فُلَانٍ يَدٌ بَيْضَاءُ. يُرَادُ بِهِ نِعْمَةٌ.

وَكَمَا يُقَالُ: هَذَا الشَّيْءُ فِي يَدِ فُلَانٍ وَتَحْتَ يَدِ فُلَانٍ، يُرَادُ بِهِ أَنَّهُ تَحْتَ قُدْرَتِهِ وَفِي مُلْكِهِ.

وَيُقَالُ: رَجُلٌ أيدٌ إِذَا كَانَ قَادِرًا.

وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: {خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً} يُرِيدُ عَمِلْنَا بِقُدْرَتِنَا. وَقَالَ الشَّاعِرُ:

إِذَا مَا رَايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ ... تَلَقَّاهَا عَرَابَةُ بِالْيَمِينِ

فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {خَلَقْتُ بِيَدَىَّ} يَعْنِي بِقُدْرَتِي أَوْ نِعْمَتِي.

يُقَالُ لَهُمْ هَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ: {بِيَدَىَّ} يَقْتَضِي إِثْبَاتَ يَدَيْنِ هُمَا صِفَةٌ لَهُ.

فَلَوْ كَانَ المُرَاد بهما الْقُدْرَة لموجب أَنْ يَكُونَ لَهُ قُدْرَتَانِ.

وَأَنْتُمْ لَا تَزْعُمُونَ أَنَّ لِلْبَارِّي سُبْحَانَهُ قُدْرَةً وَاحِدَةً، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تُثْبِتُوا لَهُ قُدْرَتَيْنِ؟

وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ مُثْبِتِي الصِّفَاتِ وَالنَّافِينَ لَهَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ تَعَالَى قُدْرَتَانِ فَبَطَلَ مَا قُلْتُمْ.

وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ بِنِعْمَتَيْنِ، لِأَنَّ نِعَمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى آدَمَ وَعَلَى غَيْرِهِ لَا تُحْصَى.

وَلِأَنَّ الْقَائِلَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: رَفَعْتُ الشَّيْءَ بِيَدَيَّ أَوْ وَضَعْتُهُ بِيَدَيَّ أَوْ تَوَلَّيْتُهُ بِيَدَيَّ وَهُوَ يَعْنِي نِعْمَتَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>