للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سُورَةِ الْأَعْرَافِ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} .

وَمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ، مِنْ وَصْفِهِ تَعَالَى نَفْسَهُ بِهَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ الْجَامِعَتَيْنِ الْمُتَضَمِّنَتَيْنِ لِكُلِّ كَمَالٍ وَجَلَالٍ، جَاءَ مِثْلُهُ فِي آيَاتٍ أُخَرَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِىُّ الْعَظِيمُ} وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً} . وَقَوْلِهِ تَعَالَى {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} وَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَهُ الْكِبْرِيَآءُ فِى السَّمَوَات وَالأَرْضِ} . إِلَى غير ذَلِك من الْآيَات] (١) .

وَقَالَ صَاحب التَّتِمَّة - رَحمَه الله -: [قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} . قَالَ ابْن جرير: هُوَ الله تَعَالَى اهـ.

وَمُعْتَقَدُ السَّلَفِ هُوَ طِبْقُ مَا قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ لِحَدِيثِ الْجَارِيَةِ: «أَيْنَ اللَّهُ؟ قَالَتْ فِي السَّمَاءِ، قَالَ: اعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ» (٢) وَلِعِدَّةِ آيَاتٍ فِي هَذَا الْمَعْنى، وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّ مَعْنَى فِي هُوَ الظَّرْفِيَّةُ، فَنَجْعَلُ السَّمَاءَ ظَرْفًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا يَقْتَضِي التَّشْبِيهَ بِالْمُتَحَيِّزِ. فَيُقَالُ: إِنَّهُ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنِ الظَّرْفِيَّةِ بِالْمَعْنَى الْمَعْرُوفِ وَالْمَنْصُوصِ فِي حَقِّ الْمَخْلُوقِ، وَقَدْ دَلَّتِ النُّصُوصُ مِنَ السُّنَّةِ عَلَى نَفْيِ ذَلِكَ عَنْهُ تَعَالَى وَاسْتِحَالَتِهِ عَقْلًا عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ فِي حَدِيثِ: «مَا السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ فِي الْكُرْسِيِّ إِلَّا كَحَلْقَةٍ أَوْ دَرَاهِمَ فِي تُرْسٍ، وَمَا الْكُرْسِيُّ فِي الْعَرْشِ إِلَّا كَحَلْقَةٍ فِي فَلَاةٍ، وَمَا الْعَرْشُ فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ إِلَّا كَحَبَّةِ خَرْدَلٍ فِي كَفِّ أَحَدِكُمْ» (٣) فَانْتَفَتْ ظَرْفِيَّةُ السَّمَاءِ لَهُ سُبْحَانَهُ على الْمَعْرُوف لنا، وَلِأَنَّهُ


(١) - ٧/١٥١، ١٥٠-الشورى /٤.
(٢) - أخرجه مُسلم (١/٣٨١) (٥٣٧) من حَدِيث مُعَاوِيَة بن الحكم السّلمِيّ مطولا بِهِ.
(٣) - لم أَقف عَلَيْهِ بِهَذَا اللَّفْظ، وَأَظنهُ ملفق من عدَّة رِوَايَات، وروى ابْن جرير فِي تَفْسِير آيَة الْكُرْسِيّ نَحوه بِدُونِ ذكر آخِره بِسَنَد ضَعِيف فِيهِ عبد الرَّحْمَن بن زيد، وَقد صحّح الشَّيْخ الألباني - رَحمَه الله - فِي السلسلة الصَّحِيحَة (١٠٩) نَحوه بِلَفْظ: " مَا السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ فِي الْكُرْسِيِّ إِلَّا كَحَلْقَةٍ بِأَرْض فلاة وَفضل الْعَرْش على الْكُرْسِيّ كفضل تِلْكَ الفلاة على تِلْكَ الْحلقَة " وَقَالَ: لَا يَصح فِي صفة الْكُرْسِيّ غير هَذَا الحَدِيث.

<<  <  ج: ص:  >  >>