للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ؟ أَمْ شَيْءٌ لَمْ يعلَموه؟ فَقَالَ: شَيْءٌ لَمْ يَعْلَمُوهُ. فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ شَيْءٌ لَمْ يَعْلَمْهُ النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا أَبُو بَكْرٍ، وَلَا عُمَرُ، وَلَا عُثْمَان، وَلَا عَليّ، وَلَا الْخُلَفَاء الراشدون، عَلمته أنتا؟ قَالَ: فَخَجِلَ. فَقَالَ: أَقِلْنِي وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا. قَالَ نَعَمْ. قَالَ: مَا تَقُولُ فِي الْقُرْآنِ؟ فَقَالَ مَخْلُوقٌ.

فَقَالَ: هَذَا شَيْءٌ عَلِمَهُ النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ أَوْ لَمْ يَعْلَمُوهُ؟ فَقَالَ: عَلِمُوهُ وَلَمْ يَدْعُوا النَّاسَ إِلَيْهِ قَالَ:

أَفَلَا وَسِعَكَ مَا وسعهما؟ قَالَ: ثُمَّ قَامَ أَبِي فَدَخَلَ مَجْلِسَ الْخَلْوَةِ وَاسْتَلْقَى عَلَى قَفَاهُ، وَوَضَعَ إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى وَهُوَ يَقُولُ: هَذَا شَيْءٌ لَمْ يَعْلَمْهُ النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا أَبُو بكر، وَلَا عمر، وَلَا عُثْمَان، وَلَا عَليّ، وَلَا الْخُلَفَاء الراشدون عَلمته أنتا سُبْحَانَ الله شَيْءٌ عَلِمَهُ النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَلَمْ يَدْعُوا النَّاسَ إِلَيْهِ، أَفَلَا وَسِعَكَ مَا وَسِعَهُمْ؟؟ ثُمَّ دَعَا عَمَّارًا الْحَاجِب، فَأمر أَنْ يَرْفَعَ عَنْهُ الْقُيُودَ وَيُعْطِيَهُ أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ، وَيَأْذَنَ لَهُ فِي الرُّجُوعِ، وَسَقَطَ مِنْ عَيْنِهِ ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ، وَلَمْ يَمْتَحِنْ بَعْدَ ذَلِكَ أحدا. اهـ مِنْهُ (١) . وَذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَارِيخِهِ هَذِهِ الْقِصَّةَ عَنِ الْخَطِيبِ الْبَغْدَادِيِّ، وَلِمَا انْتَهَى مِنْ سِيَاقِهَا قَالَ: ذَكَرَهُ الْخَطِيبُ فِي تَارِيخِهِ بِإِسْنَادٍ فِيهِ بَعْضُ مَنْ لَا يُعْرَفُ اهـ.

وَيُسْتَأْنَسُ لِهَذِهِ الْقِصَّةِ بِمَا ذَكَرَهُ الْخَطِيبُ وَغَيْرُهُ: مِنْ أَنَّ الْوَاثِقَ تَابَ مِنَ الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ.

قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ: قَالَ الْخَطِيبُ: وَكَانَ ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ اسْتَوْلَى عَلَى الْوَاثِقِ وَحَمَلَهُ عَلَى التَّشْدِيدِ فِي الْمِحْنَةِ، وَدَعَا النَّاسَ إِلَى الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ: قَالَ: وَيُقَالُ إِنَّ الْوَاثِقَ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ قَبْلَ مَوْتِهِ. فَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْفَتْحِ، أَنْبَأَ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَسَنِ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرَفَةَ، حَدَّثَنِي حَامِدُ بْنُ الْعَبَّاس، عَن رجل عَن الْمهْدي: أَنَّ الْوَاثِقَ مَاتَ وَقَدْ تَابَ مِنَ الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ (٢) .

وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَهَذِهِ الْقِصَّةُ لَمْ تَزَلْ مَشْهُورَةً عِنْدَ الْعُلَمَاءِ، صَحِيحَةَ الِاحْتِجَاجِ فِيهَا إِلْقَامُ الْخَصْمِ الْحَجَرَ.

وَحَاصِلُ هَذِهِ الْقِصَّةِ الَّتِي ألقمَ بِهَا هَذَا الشَّيْخُ الَّذِي كَانَ مُكَبَّلًا بِالْقُيُودِ يُرَادُ قَتْلُهُ أَحْمَدَ بْنَ أَبِي دُؤَادٍ حَجَرًا، هُوَ هَذَا الدَّلِيلُ الْعَظِيمُ الَّذِي هُوَ السبر


(١) - أخرجه الْخَطِيب فِي تَارِيخه (٤/١٥١) ، وَمن طَرِيقه الذَّهَبِيّ فِي " سير أَعْلَام النبلاء " (١١/١٣٢) ، وَقَالَ: هَذِه قصَّة مليحة وان كَانَ فِي طريقها من يجهل وَلها شَاهد. وَذكرهَا ابْن كثير فِي الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة (١٠/٣٢١) ، وَقَالَ: ذَكَرَهُ الْخَطِيبُ فِي تَارِيخِهِ بِإِسْنَادٍ فِيهِ بَعْضُ من لَا يعرف.
(٢) - الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة (١٠/٣٠٩) ، وَإِسْنَاده ضَعِيف لجَهَالَة الرَّاوِي عَن الْمهْدي.

<<  <  ج: ص:  >  >>