للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَبِأَىّ آلَاءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ} ، وَقَالَ: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} فَخَصَّهُمْ بِاسْمِهِ الرَّحِيمِ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ مَا قَرَّرْتُمْ، وَبَيْنَ مَا جَاءَ فِي الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم: «رَحْمَن الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرَحِيمُهُمَا» (١) فَالظَّاهِرُ فِي الْجَوَابِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الرَّحِيمَ خَاصٌّ بِالْمُؤْمِنِينَ كَمَا ذَكَرْنَا، لَكِنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِهِمْ فِي الْآخِرَةِ ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍! بَلْ يَشْمَلُ رَحْمَتَهُمْ فِي الدُّنْيَا أَيْضًا، فَيَكُونُ مَعْنَى رَحِيمُهُمَا رَحْمَتُهُ بِالْمُؤْمِنِينَ فِيهِمَا.

وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ رَحِيمٌ بِالْمُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا أَيْضًا: أَنَّ ذَلِكَ هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} ، لِأَنَّ صَلَاتَهُ عَلَيْهِمْ وَصَلَاةَ مَلَائِكَتِهِ وَإِخْرَاجَهُ إِيَّاهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ رَحْمَةٌ بِهِمْ فِي الدُّنْيَا. وَإِنْ كَانَتْ سَبَبَ الرَّحْمَةِ فِي الْآخِرَةِ أَيْضًا، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} ، فَإِنَّهُ جَاءَ فِيهِ بِالْبَاء الْمُتَعَلّقَة بالرحيم الْجَار لِلضَّمِيرِ الْوَاقِعِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ مُسلم - وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَتَوْبَتُهُ عَلَيْهِمْ

رَحْمَةٌ فِي الدُّنْيَا، وَإِنْ كَانَتْ سَبَبَ رَحْمَةِ الْآخِرَةِ أَيْضًا. وَالْعِلْمُ عِنْد الله تَعَالَى.] (٢) .


(١) - أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي " الصَّغِير " (١/٣٣٦) (٥٥٨) من حَدِيث أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم لِمعَاذ فَذكره.، وَقَالَ الهيثمي فِي الْمجمع (١٠/٢٩٩) : [رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الصَّغِير وَرِجَاله ثِقَات] ، الحَدِيث حسنه الشَّيْخ الألباني - رَحمَه الله - فِي " صَحِيح التَّرْغِيب والترهيب " من حَدِيث أنس.
(٢) - ١/٣٣، الْفَاتِحَة/٣، وَانْظُر: (٥/٨٣٤) (الْمُؤْمِنُونَ/١١٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>