عَلَى كُلِّ شَىْءٍ وَكِيلٌ} .
وَذَكَرَ أَيْضًا الْخَلْقَ مُفَصَّلًا وَالْمُلْكَ مُجْمَلًا فِي قَوْلُهُ تَعَالَى {خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ الأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِى بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِى ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ} ثُمَّ قَالَ {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} وَقَالَ {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ} ثُمَّ قَالَ {لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} وَجَمَعَ الْمُلْكَ وَالْخَلْقَ مَعًا فِي قَوْله {الَّذِى لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِى المُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَىْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ فِي هَذَا الْمَعْنَى.
وَمَنْ تَأَمَّلَ بَرَاهِينَ الْقُرْآنِ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى قُدْرَتِهِ، عَلَى الْبَعْثِ وَهُمَا أَهَمُّ الْقَضَايَا الْعَقَائِدِيَّةِ يَجِدُ أَهَمَّهَا وَأَوْضَحَهَا وَأَكْثَرَهَا، هُوَ هَذَا الدَّلِيلَ، أَعْنِي دَلِيلَ الْخَلْقِ وَالتَّصْوِيرِ.
وَقَدْ جَاءَ هَذَا الدَّلِيلُ فِي الْقُرْآنِ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا، فَمِنَ الْإِجْمَالِ مَا جَاءَ فِي أَصْلِ الْمَخْلُوقَاتِ جَمِيعًا {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَىْءٍ} وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {تَبَارَكَ الَّذِى بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ} ، وَقَالَ: {إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} ثُمَّ قَالَ {فَسُبْحَانَ الَّذِى بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَىْءٍ} وَقَالَ: {تَبَارَكَ الَّذِى بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ الَّذِى خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحياةَ} أَيْ خَالِقُ الْإِيجَادِ وَالْعَدَمِ، وَخَلْقُ الْعَدَمِ يُسَاوِي فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْقُدْرَةِ خَلْقَ الْإِيجَادِ، لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إِعْدَامِ مَا أَوْجَدَ يَكُونُ الْمَوْجُودُ مُسْتَعْصِيًا عَلَيْهِ، فَيَكُونُ عَجْزًا فِي الْمُوجِدِ لَهُ، كَمَنْ يُوجِدُ الْيَوْمَ سِلَاحًا وَلَا يَقْدِرُ عَلَى إِعْدَامِهِ، وَإِبْطَالِ مَفْعُولِهِ، فَقَدْ يَكُونُ سَبَبًا فِي إِهْلَاكِهِ، وَلَا تَكْتَمِلُ الْقُدْرَةُ حَقًّا إِلَّا بِالْخَلْقِ وَالْإِعْدَامِ مَعًا، وَقَالَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ: {الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِى خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute