الْعَرَافَةُ وَصَاحِبُهَا عَرَّافٌ، وَهُوَ الَّذِي يَسْتَدِلُّ عَلَى الْأُمُورِ بِأَسْبَابٍ وَمُقَدِّمَاتٍ يدَّعي مَعْرِفَتَهَا. وَقَدْ يَعْتَضِدُ بَعْضُ أَهْلِ هَذَا الْفَنِّ فِي ذَلِكَ بِالزَّجْرِ وَالطَّرْقِ وَالنُّجُومِ، وَأَسْبَابٍ مُعْتَادَةٍ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا الْفَنُّ هُوَ الْعِيَافَةُ بِالْيَاءِ، وَكُلُّهَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهَا اسْمُ الْكِهَانَةِ، قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ.
وَالْكِهَانَةُ: ادِّعَاءُ عِلْمِ الْغَيْبِ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي (الْكَافِي) : مِنَ الْمَكَاسِبِ الْمُجْتَمَعِ عَلَى تَحْرِيمِهَا الرِّبَا، وَمُهُورُ الْبَغَايَا، وَالسُّحْتُ، وَالرِّشَا، وَأَخَذُ الْأُجْرَةِ عَلَى النِّيَاحَةِ، وَالْغِنَاءِ، وَعَلَى الْكِهَانَةِ، وَادِّعَاءِ الْغَيْبِ، وَأَخْبَارِ السَّمَاءِ، وَعَلَى الزَّمْرِ وَاللَّعِبِ وَالْبَاطِلُ كُلُّهُ. اهـ مِنَ الْقُرْطُبِيِّ بِلَفْظِهِ، وَقَدْ رَأَيْتُ تَعْرِيفَهُ لِلْعَرَّافِ وَالْكَاهِنِ.
وَقَالَ الْبَغَوِيُّ: الْعَرَّافُ الَّذِي يَدَّعِي مَعْرِفَةَ الْأُمُورِ بِمُقَدِّمَاتٍ يَسْتَدِلُّ بِهَا عَلَى الْمَسْرُوقِ، وَمَكَانِ الضَّالَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ تَيْمِيَّةَ: الْعَرَّافُ: اسْمٌ لِلْكَاهِنِ وَالْمُنَجِّمِ وَالرَّمَّالِ، وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ يَتَكَلَّمُ فِي مَعْرِفَةِ الْأُمُورِ بِهَذِهِ الطُّرُقِ.
وَالْمُرَادُ بِالطَّرْقِ: قِيلَ الْخَطُّ الَّذِي يَدَّعِي بِهِ الِاطِّلَاعَ عَلَى الْغَيْبِ، وَقِيلَ إِنَّهُ الضَّرْبُ بِالْحَصَى الَّذِي يَفْعَلُهُ النِّسَاءُ، وَالزَّجْرُ هُوَ الْعِيَافَةُ، وَهِيَ التَّشَاؤُمُ وَالتَّيَامُنُ بِالطَّيْرِ، وَادِّعَاءُ مَعْرِفَةِ الْأُمُورِ مِنْ كَيْفِيَّةِ طَيَرَانِهَا وَمَوَاقِعِهَا وَأَسْمَائِهَا وَأَلْوَانِهَا وَجِهَاتِهَا الَّتِي تَطِيرُ إِلَيْهَا.
وَمِنْهُ قَوْلُ عَلْقَمَةَ بن عَبدة التَّمِيمِي:
وَمَنْ تَعَرَّضَ لِلْغِرْبَانِ يَزْجُرُهَا ... عَلَى سَلَامَتِهِ لَا بُدَّ مَشْئُومُ
وَكَانَ أَشَدَّ الْعَرَبِ عِيَافَةً بَنُو لَهب حَتَّى قَالَ فيهم الشَّاعِر:
خَبِيرٌ بَنُو لَهَبٍ فَلَا تَكُ مُلْغِيًا ... مَقَالَةَ لَهَبِي إِذَا الطَّيْرُ مَرَّتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute