للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى مَنِ اتَّخَذَ قُبُورَ الْأَنْبِيَاءِ مَسَاجِدَ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ قُبُورَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ لَيْسَتْ نَجِسَةً فَالْعِلَّةُ لِلنَّهْيِ سَدُّ الذَّرِيعَةِ لِأَنَّهُمْ إِذَا عَبَدُوا اللَّهَ عِنْدَ الْقُبُورِ آلَ بِهِمُ الْأَمْرُ إِلَى عِبَادَةِ الْقُبُورِ.

فَالظَّاهِرُ مِنَ النُّصُوصِ الْمَذْكُورَةِ مَنْعُ الصَّلَاةِ عِنْدَ الْمَقَابِرِ مُطْلَقًا وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَفِي صِحَّتِهَا عِنْدَهُ رِوَايَتَانِ وَإِنْ تَحَقَّقَتْ طَهَارَتُهَا، وَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهَا مَكْرُوهَةٌ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ نَجِسَةً لِاخْتِلَاطِ أَرْضِهَا بِصَدِيدِ الْأَمْوَاتِ لِأَجْلِ النَّبْشِ فَالصَّلَاةُ فِيهَا بَاطِلَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ لَمْ تُنْبَشْ فَالصَّلَاةُ فِيهَا مَكْرُوهَةٌ عِنْدَهُمْ. وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ عَنِ ابْنِ الْمُنْذِرِ أَنَّهُ قَالَ: رُوِّينَا عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعَطَاءٍ وَالنَّخَعِيِّ أَنَّهُمْ كَرِهُوا الصَّلَاةَ فِي الْمَقْبَرَةِ. قَالَ: وَلَمْ يَكْرَهْهَا أَبُو هُرَيْرَةَ وَوَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ دَاوُدَ أَنَّهُ قَالَ: تَصِحُّ الصَّلَاةُ وَإِنْ تَحَقَّقَ نَبْشُهَا. وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ النَّهْيَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي الْمَقْبَرَةِ عَنْ خَمْسَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ: وَهُمْ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَنَسٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ. وَقَالَ: مَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُخَالِفًا، وَحَكَاهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَنَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَطَاوُسٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَخَيْثَمَةَ وَغَيْرِهِمْ. وَقَدْ حَكَى الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ رَخَّصَ فِي الصَّلَاةِ فِي الْمَقْبَرَةِ. وَحُكِيَ أَيْضًا عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ صَلَّى فِي الْمَقْبَرَةِ.

وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ قُلْتُ لِنَافِعٍ: أَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَكْرَهُ أَنْ يُصَلَّى وَسْطَ الْقُبُورِ قَالَ: لَقَدْ صَلَّيْنَا عَلَى عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَسْطَ الْبَقِيعِ وَالْإِمَامُ يَوْمَ صَلَّيْنَا عَلَى عَائِشَةَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَحَضَرَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ (١) . وَمِمَّنْ كَرِهَ الصَّلَاةَ فِي الْمَقْبَرَةِ أَبُو


(١) - أخرجه عبد الرَّزَّاق فِي " مُصَنفه " (١/٤٠٧) (١٥٩٣) ، (٣/٥٢٥) (٦٥٧٠) ، وَالْبَيْهَقِيّ (٢/٤٣٥) ، وَالطَّبَرَانِيّ (٢٣/٢٩) (٧٢) من طَرِيق ابْن جريج قَالَ أَخْبرنِي نَافِع بِهِ، وَرِجَاله ثِقَات.

<<  <  ج: ص:  >  >>