نِسْبِيًّا، فَكَذَلِكَ فِي مَوْضُوعِ الْقُبُورِ الثَّلَاثَةِ فِي الْحُجْرَةِ، فَإِنَّهَا بَعِيدَةٌ عَنْ مُبَاشَرَةِ الصَّلَاةِ إِلَيْهَا، وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين.
وَأَيْضًا لشيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية رَحمَه الله كلَاما فِي ذَلِكَ مُلَخَّصُهُ مِنَ الْمَجْمُوعِ مُجَلَّدُ ٢٧ ص ٣٢٣ وَكَأَنَّ النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا مَاتَ وَدُفِنَ فِي حُجْرَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا. وَكَانَتْ هِيَ وَحُجَرُ نِسَائِهِ فِي شَرْقِيِّ الْمَسْجِدِ وَقِبْلِيِّهِ، لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ دَاخِلًا الْمَسْجِدَ. وَاسْتَمَرَّ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ إِلَى أَنِ انْقَرَضَ عَصْرُ الصَّحَابَةِ بِالْمَدِينَةِ.
ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ فِي خِلَافَةِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ بِنَحْوٍ مِنْ سَنَةٍ مِنْ بَيْعَتِهِ وُسِّع الْمَسْجِدُ وَأُدْخِلَتْ فِيهِ الْحُجْرَةُ لِلضَّرُورَةِ. فَإِنَّ الْوَلِيدَ كَتَبَ إِلَى نَائِبِهِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنْ يَشْتَرِيَ الحُجَر مِنْ مُلَّاكِهَا وَرَثَةِ أَزْوَاجِ النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّهُنَّ كُنَّ تُوُفِّينَ كُلُّهُنَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْحُجَرَ وَيَزِيدَهَا فِي الْمَسْجِدِ فَهَدَمَهَا وَأَدْخَلَهَا فِي الْمَسْجِدِ، وَبَقِيَتْ حُجْرَةُ عَائِشَةَ عَلَى حَالِهَا. وَكَانَتْ مُغْلَقَةً لَا يُمَكَّنُ أَحَدٌ مِنَ الدُّخُولِ إِلَى قَبْرِ النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا لِصَلَاةٍ عِنْدَهُ وَلَا لِدُعَاءٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ. إِلَى حِينِ كَانَتْ عَائِشَةُ فِي الْحَيَاةِ وَهِيَ تُوُفِّيَتْ قَبْلَ إِدْخَالِ الْحُجْرَةِ بِأَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثِينَ سَنَةً.
وَقَالَ فِي صَفْحَةِ ٨٢٣: وَلَمْ تَكُنْ تُمَكِّنُ أَحَدًا أَنْ يَفْعَلَ عِنْدَ قَبْرِهِ شَيْئًا مِمَّا نَهَى عَنْهُ وَبَعْدَهَا كَانَتْ مُغْلَقَةً، إِلَى أَنْ أُدْخِلَتْ فِي الْمَسْجِدِ فَسُدَّ بَابُهَا وَبُنِيَ عَلَيْهَا حَائِطٌ آخَرُ.
فَكُلُّ ذَلِكَ صِيَانَةٌ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ يُتَّخَذَ بَيْتُهُ عِيدًا وَقَبْرُهُ وَثَنًا. وَإِلَّا فَمَعْلُومٌ أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ كُلُّهُمْ مُسْلِمُونَ، وَلَا يَأْتِي إِلَى هُنَاكَ إِلَّا مُسْلِمٌ وَكُلُّهُمْ مُعَظِّمُونَ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا فَعَلُوا ذَلِكَ لِيُسْتَهَانَ بِالْقَبْرِ الْمُكَرَّمِ بَلْ فَعَلَوْهُ لِئَلَّا يُتَّخَذَ وَثَنًا يُعْبَدُ. وَلَا يُتَّخَذَ بَيْتُهُ عِيدًا، وَلِئَلَّا يُفْعَلَ بِهِ كَمَا فَعَلَ أَهْلُ الْكِتَابِ
بِقُبُورِ أَنْبِيَائِهِمْ. انْتَهَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute