للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِخْلَاصٍ فِي ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ هَذَا وَحْدَهُ هُوَ الطَّرِيقُ الْمُوَصِّلَةُ إِلَى رِضَى اللَّهِ تَعَالَى، وَنَيْلِ مَا عِنْدَهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

وَأَصْلُ الْوَسِيلَةِ: الطَّرِيقُ الَّتِي تُقَرِّبُ إِلَى الشَّيْءِ، وَتُوَصِّلُ إِلَيْهِ وَهِيَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ، لِأَنَّهُ لَا وَسِيلَةَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا بِاتِّبَاعِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى هَذَا فَالْآيَاتُ الْمُبَيِّنَةُ لِلْمُرَادِ مِنَ الْوَسِيلَةِ كَثِيرَةٌ جِدًّا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَآ آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ} ، وَكَقَوْلِهِ: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى} ، وَقَوْلِهِ: {قُلْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ} ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَسِيلَةِ الْحَاجَةُ، وَلَمَّا سَأَلَهُ نَافِعٌ الْأَزْرَقُ هَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ؟ أَنْشَدَ لَهُ بَيْتَ عنتر

إِنَّ الرِّجَالَ لَهُمْ إِلَيْكِ وَسِيلَةٌ ... إِنْ يَأْخُذُوكِ تَكَحَّلِي وتخضَّبي (١)

قَالَ: يَعْنِي لَهُمْ إِلَيْكِ حَاجَةٌ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَالْمَعْنَى: {وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ} ، وَاطْلُبُوا حَاجَتَكُمْ مِنَ اللَّهِ، لِأَنَّهُ وَحْدَهُ هُوَ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى إِعْطَائِهَا، وَمِمَّا يُبَيِّنُ مَعْنَى هَذَا الْوَجْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُواْ عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ} ، وَقَوله: {وَاسْأَلُواْ اللَّهَ مِن فَضْلِهِ} ، وَفِي الحَدِيث «إِذا سَأَلت فَسَأَلَ اللَّهَ» (٢) .

قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: التَّحْقِيقُ فِي مَعْنَى الْوَسِيلَةِ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ عَامَّةَ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَنَّهَا التَّقَرُّبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْإِخْلَاصِ لَهُ فِي الْعِبَادَةِ، عَلَى وَفْقِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَفْسِيرُ ابْنِ عَبَّاسٍ دَاخِلٌ فِي هَذَا، لِأَن دُعَاء الله


(١) - عزاهُ السُّيُوطِيّ فِي الدّرّ المنثور (٣/٧١) للطستي وَابْن الانباري فِي الْوَقْف والابتداء.
(٢) - أخرجه التِّرْمِذِيّ (٤/٦٦٧) (٢٥١٦) وَقَالَ: حسن صَحِيح، وَأحمد (١/٢٩٣) ، والْحَدِيث صَححهُ الشَّيْخ الألباني - رَحمَه الله -.

<<  <  ج: ص:  >  >>