الْأَطِبَّاءُ عَلَى نَهْيِ الْمَرْعُوفِ عَنِ النَّظَرِ إِلَى الْأَشْيَاءِ الْحُمْرِ، وَالْمَصْرُوعِ عَنِ النَّظَرِ إِلَى الْأَشْيَاءِ الْقَوِيَّةِ اللَّمَعَانِ وَالدَّوَرَانِ. وَمَا
ذَاكَ إِلَّا أَنَّ النُّفُوسَ خُلِقَتْ مُطِيعَةً لِلْأَوْهَامِ.
قَالَ: وَحَكَى صَاحِبُ الشِّفَاءِ عَنْ أَرِسْطُو فِي طَبَائِعِ الْحَيَوَانِ: أَنَّ الدَّجَاجَةَ إِذَا تَشَبَّهَتْ كَثِيرًا بالديَكة فِي الصَّوْتِ وَفِي الْحِرَابِ مَعَ الديَكة نَبَتَ عَلَى سَاقِهَا مِثْلُ الشَّيْءِ النَّابِتِ عَلَى سَاقِ الدِّيكِ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الشِّفَاءِ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَن الْأَحْوَال الجهمانية تَابِعَةٌ لِلْأَحْوَالِ النَّفْسَانِيَّةِ. قَالَ: وَاجْتَمَعَتِ الْأُمَمُ عَلَى أَنَّ الدُّعَاءَ اللِّسَانِيَّ الْخَالِيَ عَنِ الطَّلَبِ النَّفْسَانِيِّ قَلِيلُ الْعَمَلِ عَدِيمُ الْأَثَرِ. فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ لِلْهِمَمِ وَالنُّفُوسِ آثَارًا.. إِلَى آخِرِ كَلَامِهِ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنْ أَنْوَاعِ السِّحْرِ، وَقَدْ أَطَالَ فِيهِ الْكَلَامَ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ النُّفُوسَ الْخَبِيثَةَ لَهَا آثَارٌ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمِنْ أَصْرَحِ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْعين حَتَّى وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابِقٌ الْقَدَرَ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ» . (١) وَهَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هِمَّةَ الْعَائِنِ وَقُوَّةَ نَفْسِهِ فِي الشَّرِّ جَعَلَهَا اللَّهُ سَبَبًا لِلتَّأْثِيرِ فِي الْمُصَابِ بِالْعَيْنِ.
وَقَالَ الرَّازِيُّ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنْ أَنْوَاعِ السِّحْرِ: إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: النُّفُوسُ الَّتِي تَفْعَلُ هَذِهِ الْأَفَاعِيلَ قَدْ تَكُونُ قَوِيَّةً جِدًّا فَتَسْتَغْنِي فِي هَذِهِ الْأَفْعَالِ عَنِ الِاسْتِعَانَةِ بِالْآلَاتِ وَالْأَدَوَاتِ، وَقَدْ تَكُونُ ضَعِيفَةً فَتَحْتَاجُ إِلَى الِاسْتِعَانَةِ بِهَذِهِ الْآلَاتِ.
وَتَحْقِيقُهُ: أَنَّ النَّفْسَ إِذَا كَانَتْ مُسْتَعْلِيَةً عَلَى الْبَدَنِ شَدِيدَةَ الِانْجِذَابِ إِلَى عَالَمِ السَّمَاءِ كَانَتْ كَأَنَّهَا رُوحٌ مِنَ الْأَرْوَاحِ السَّمَاوِيَّةِ، فَكَانَتْ قَوِيَّةً عَلَى التَّأْثِيرِ فِي مَوَادِّ هَذَا الْعَالَمِ، أَمَّا إِذَا كَانَتْ ضَعِيفَةً شَدِيدَةَ التَّعَلُّقِ بِهَذِهِ الذَّاتِ
(١) - أخرجه مُسلم (٤/١٧١٩) (٢١٨٨) مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute