للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سَحَرَهُ لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ: هَلَّا تَنَشَّرْتَ؟ فَقَالَ: «أَمَّا اللَّهُ فَقَدْ شَفَانِي وَكَرِهْتُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا» (١) .

قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: التَّحْقِيقُ الَّذِي لَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ اسْتِخْرَاجَ السِّحْرِ إِنْ كَانَ بِالْقُرْآنِ كَالْمُعَوِّذَتَيْنِ، وَآيَةِ الْكُرْسِيِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا تَجُوزُ الرُّقْيَا بِهِ فَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ بِسِحْرٍ أَوْ بِأَلْفَاظٍ عَجَمِيَّةٍ، أَوْ بِمَا لَا يُفْهَمُ مَعْنَاهُ، أَوْ بِنَوْعٍ آخَرَ مِمَّا لَا يَجُوزُ فَإِنَّهُ مَمْنُوعٌ. وَهَذَا وَاضِحٌ وَهُوَ الصَّوَابُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا تَرَى.

وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي مَا نَصُّهُ: (تَكْمِيلٌ) قَالَ ابْن الْقيم رَحمَه الله: مِنْ أَنْفَعِ الْأَدْوِيَةِ، وَأَقْوَى مَا يُوجَدُ مِنَ النُّشْرَةِ مُقَاوَمَةُ السِّحْرِ الَّذِي هُوَ مِنْ تَأْثِيرَاتِ الْأَرْوَاحِ الْخَبِيثَةِ بِالْأَدْوِيَةِ الْإِلَهِيَّةِ: مِنَ الذِّكْرِ، وَالدُّعَاءِ، وَالْقِرَاءَةِ. فَالْقَلْبُ إِذَا كَانَ مُمْتَلِئًا مِنَ اللَّهِ، مَعْمُورًا بِذِكْرِهِ، وَلَهُ وِرْدٌ مِنَ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالتَّوَجُّهِ، لَا يُخِلُّ بِهِ كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ الْمَانِعَةِ مِنْ إِصَابَةِ السِّحْرِ لَهُ. قَالَ: وَسُلْطَانُ تَأْثِيرِ السِّحْرِ هُوَ فِي الْقُلُوبِ الضَّعِيفَةِ. وَلِهَذَا غَالِبُ مَا يُؤَثِّرُ فِيهِ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ وَالْجُهَّالَ؛ لِأَنَّ الْأَرْوَاحَ الْخَبِيثَةَ إِنَّمَا تَنْشَطُ عَلَى الْأَرْوَاحِ، تَلَقَاهَا مُسْتَعِدَّةً لِمَا يُنَاسِبُهَا. انْتَهَى مُلَخصا. وَيُعَكر


(١) - أخرجه البُخَارِيّ (٥/٢٢٥٢) (٥٧١٦) ، وَمُسلم (٤/١٧١٩) (٢١٨٩) ، وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ: فَهَلا: يَعْنِي تنشرت، وَفِي رِوَايَات أُخْرَى عِنْد البُخَارِيّ وَغَيره، هلا استخرجته، وهلا أحرقته، وَقد جزم ابْن حجر فِي الْفَتْح بِأَنَّهَا مدرجة، وَنقل أَيْضا عَن الْبَعْض حملهَا على الْمَعْنى اللّغَوِيّ بِمَعْنى الْإِظْهَار حَتَّى توَافق الرِّوَايَات الْأُخْرَى حَيْثُ قَالَ (١٠/٤٨٠) : [قَوْله مطبوب يَعْنِي مسحورا هَذَا التَّفْسِير مدرج فِي الْخَبَر وَقد بيّنت ذَلِك عِنْد شرح الحَدِيث فِي كتاب الطِّبّ وَكَذَا قَوْله فَهَلا تَعْنِي تنشرت وَمن قَالَ هُوَ مَأْخُوذ من النشرة أَو من نشر الشَّيْء بِمَعْنى إِظْهَاره وَكَيف يجمع بَين قَوْلهَا فَأخْرج وَبَين قَوْلهَا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى هلا استخرجته وَأَن حَاصله أَن الْإِخْرَاج الْوَاقِع كَانَ لأصل السحر والاستخراج الْمَنْفِيّ كَانَ لأجزاء السحر] .

<<  <  ج: ص:  >  >>