للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

انْتَهَى مِنْ (فَتْحِ الْبَارِي) .

وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْصُومٌ بِالْإِجْمَاعِ مِنْ كُلِّ مَا يُؤَثِّرُ خَلَلًا فِي التَّبْلِيغِ وَالتَّشْرِيعِ. وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَعْرَاضِ الْبَشَرِيَّةِ: كَأَنْوَاعِ الْأَمْرَاضِ وَالْآلَامِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ فَالْأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ يَعْتَرِيهِمْ مِنْ ذَلِكَ مَا يَعْتَرِي الْبَشَرَ. لِأَنَّهُمْ بَشَرٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْهُمْ: {إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلكن اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ} وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا} فَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْحُورٌ أَوْ مَطْبُوبٌ، قَدْ خَبَلَهُ السِّحْرُ فَاخْتَلَطَ عَقْلُهُ فَالْتَبَسَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ. يَقُولُونَ ذَلِكَ لِيُنَفِّرُوا النَّاسَ عَنْهُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: «مَسْحُورًا» أَيْ مَخْدُوعًا. مِثْلَ قَوْلِهِ {فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} أَيْ مِنْ أَيْنَ تُخْدَعُونَ. وَمَعْنَى هَذَا رَاجِعٌ إِلَى مَا قَبْلَهُ. لِأَنَّ الْمَخْدُوعَ مَغْلُوبٌ فِي عَقْلِهِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ {مَّسْحُورًا} مَعْنَاهُ أَنَّ لَهُ سِحْرًا أَيْ رِئَةً فَهُوَ لَا يَسْتَغْنِي عَنِ الطَّعَامِ وَالشرَاب، فَهُوَ مثلكُمْ وَلَيْسَ بِملك. كَقَوْلِهِم {مَا لِهذا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِى فِى الْأَسْوَاقِ} ، وَقَوْلِهِ عَنِ الْكُفَّارِ {مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ} وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ. وَيُقَالُ لِكُلِّ مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ: مَسْحُورٌ وَمُسَحَّرٌ. وَمِنْهُ قَوْلُ لَبِيَدٍ:

فَإِنْ تَسْأَلِينَا فِيمَ نَحْنُ فَإِنَّنَا ... عَصَافِيرُ مِنْ هَذَا الْأَنَامِ الْمُسَحَّرِ

وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

أَرَانَا مَوْضِعَيْنِ لِأَمْرِ غَيْبٍ ... وَنُسْحَرُ بِالطَّعَامِ وَبِالشَّرَابِ

أَيْ نُغَذَّى وَنُعَلَّلُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>