للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَمَّا خَافُوا أَنْ تَكُونَ الْمَوَدَّةُ الصِّلَةَ بِالْمَالِ أَنْزَلَ {لاَّ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُواْ إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} ، {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُواْ عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأولئك هُمُ الظَّالِمُونَ} ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَكَانَتِ الصِّلَةُ بِالْمَالِ وَالْبِرِّ وَالْإِقْسَاطِ وَلِينِ الْكَلَامِ وَالْمُرَاسَلَةِ بِحُكْمِ اللَّهِ غَيْرَ مَا نُهُوا عَنْهُ مِنَ الْوَلَايَةِ لِمَنْ نُهُوا عَنْ وَلَايَتِهِ مَعَ الْمُظَاهَرَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَبَاحَ بِرَّ مَنْ لَمْ يُظَاهِرْ عَلَيْهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَالْإِقْسَاطَ إِلَيْهِمْ وَلَمْ يُحَرِّمْ ذَلِكَ إِلَى مَنْ لَمْ يُظَاهِرْ عَلَيْهِمْ بل ذكر الَّذين ظاهروا عَلَيْهِم فنهاهم عَنْ وَلَايَتِهِمْ إِذْ كَانَ الْوَلَايَةُ غَيْرَ الْبِرِّ وَالْإِقْسَاطِ، وَكَانَ النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَادَى بَعْضَ أُسَارَى بَدْرٍ، وَقَدْ كَانَ أَبُو عَزَّةَ الْجُمَحِيُّ ممَّن منَّ عَلَيْهِ، وَقَدْ كَانَ مَعْرُوفًا بِعَدَاوَتِهِ وَالتَّأْلِيبِ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ وَلِسَانِهِ، وَمِنْ بَعْدِ بَدْرٍ عَلَى ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ، وَكَانَ مَعْرُوفًا بِعَدَاوَتِهِ، وَأَمَرَ بِقَتْلِهِ ثُمَّ مَنَّ عَلَيْهِ بَعْدَ أَسْرِهِ وَأَسْلَمَ ثُمَامَةُ وَحَبَسَ الْمِيرَةَ عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ أَنْ يُمِيرَهُمْ فَأَذِنَ لَهُ فَمَارَهُمْ.

وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً} وَالْأَسْرَى يَكُونُونَ مِمَّنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ اهـ مِنْهُ.

وَهَذَا الَّذِي صوَّبه ابْنُ جَرِيرٍ وَصَحَّحَهُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الَّذِي تَقْتَضِيهِ رُوحُ التَّشْرِيعِ الْإِسْلَامِيِّ، أَمَّا وِجْهَةُ النَّظَرِ الَّتِي وَعَدْنَا بِتَقْدِيمِهَا فَهِيَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ مُشْتَرِكَةٌ مَصَالِحُهُمْ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ وَمُرْتَبِطَةٌ بِمَجْمُوعِ دُوَلِ الْعَالَمِ مِنْ مُشْرِكِينَ وَأَهْلِ كِتَابٍ، وَلَا يُمْكِنُ لِأُمَّةٍ الْيَوْمَ أَنْ تَعِيشَ مُنْعَزِلَةً عَنِ الْمَجْمُوعَةِ الدَّوْلِيَّةِ لِتَدَاخُلِ الْمَصَالِحِ وَتَشَابُكِهَا، وَلَاسِيَّمَا فِي الْمَجَالِ الِاقْتِصَادِيِّ عَصَبِ الْحَيَاةِ الْيَوْمَ مِنْ إِنْتَاجٍ أَوْ تَصْنِيعٍ أَوْ تَسْوِيقٍ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْآيَةُ مُسَاعَدَةً عَلَى جَوَازِ التَّعَامُلِ مَعَ أُولَئِكَ الْمُسَالِمِينَ وَمُبَادَلَتِهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>