يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} إِذْ لَا رَابِطَةَ نِسْبِيَّةً أَقْرَبُ مِنْ رَابِطَةِ الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ وَالْإِخْوَانِ وَالْعَشَائِرِ. وَقَوْلُهُ: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ} ، وَقَوْلُهُ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} وَقَوْلِهِ: {فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
فَهَذِهِ الْآيَاتُ وَأَمْثَالُهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ النِّدَاءَ بِرَابِطَةٍ أُخْرَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَالْعَصَبِيَّةِ الْمَعْرُوفَةِ بِالْقَوْمِيَّةِ لَا يَجُوزُ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ.
وَمِنْ أَصْرَحِ الْأَدِلَّةِ فِي ذَلِكَ: مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قَالَ: بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكن الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَفِظْنَاهُ مِنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: كُنَّا فِي غَزَاةٍ فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا للأنصارا! وَقَالَ الْمُهَاجِرِي: يَا للمهاجرينا! فسمَّعها اللَّهُ رَسُولَهُ قَالَ: «مَا هَذَا» ؟ فَقَالُوا: كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا لِلْأَنْصَارِ، وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لِلْمُهَاجِرِينَ، فَقَالَ النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ» الْحَدِيثَ (١) . فَقَوْلُ هَذَا الْأَنْصَارِيِّ: يَا لِلْأَنْصَارِ، وَهَذَا الْمُهَاجَرِيُّ: يَا لِلْمُهَاجِرِينَ هُوَ النِّدَاءُ بِالْقَوْمِيَّةِ الْعَصَبِيَّةِ بِعَيْنِهِ، وَقَوْلُ النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ» يَقْتَضِي وُجُوبَ تَرْكِ النِّدَاءِ بِهَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ «دَعُوهَا» أَمْرٌ صَرِيحٌ بِتَرْكِهَا، وَالْأَمْرُ الْمُطْلَقُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ عَلَى التَّحْقِيقِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ
(١) - أخرجه البُخَارِيّ (٤/١٨٦١) (٤٦٢٢) ، وَمُسلم (٤/١٩٩٨) (٢٥٨٤) من حدث جَابر - رَضِي الله عَنهُ -.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute