للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا الْمَفْهُومُ جَاءَ مُبَيَّنًا فِي آيَاتٍ أُخَرَ. كَقَوْلِهِ فِيمَنِ اتَّبَعَ تَشْرِيعَ الشَّيْطَانِ فِي إِبَاحَةِ الْمَيْتَةِ بِدَعْوَى أَنَّهَا ذَبِيحَةُ اللَّهِ: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّه لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} فَصَرَّحَ بِأَنَّهُمْ مُشْرِكُونَ بِطَاعَتِهِمْ. وَهَذَا الْإِشْرَاكُ فِي الطَّاعَةِ، وَاتِّبَاعِ التَّشْرِيعِ الْمُخَالِفِ لِمَا شَرَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُرَادُ بِعِبَادَةِ الشَّيْطَانِ فِي قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يابَنِى آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ الشَّيطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِى هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ نَبِيِّهِ إِبْرَاهِيمَ: {ياأَبَتِ لاَ تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً} ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَّرِيداً} أَيْ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا شَيْطَانًا، أَيْ وَذَلِكَ بِاتِّبَاعِ تَشْرِيعِهِ؛ وَلِذَا سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى الَّذِينَ يُطَاعُونَ فِيمَا زَيَّنُوا مِنَ الْمَعَاصِي شُرَكَاءَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَذلك زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ} . وَقَدْ بَيَّنَ النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا سَأَلَهُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ} فَبَيَّنَ لَهُ إِنَّهُمْ أَحَلُّوا لَهُمْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ، وَحَرَّمُوا عَلَيْهِمْ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فَاتَّبَعُوهُمْ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّ ذَلِكَ هُوَ اتِّخَاذُهُمْ إِيَّاهُمْ أَرْبَابًا (١) .

وَمِنْ أَصْرَحِ الْأَدِلَّةِ فِي هَذَا: أَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا فِي سُورَةِ النِّسَاءِ بَيَّنَ أَنَّ مَنْ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى غَيْرِ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ يَتَعَجَّبُ مِنْ زَعْمِهِمْ أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ، وَمَا ذَلِكَ إِلَّا لِأَنَّ دَعْوَاهُمُ الْإِيمَانَ مَعَ إِرَادَةِ التَّحَاكُمِ إِلَى الطَّاغُوتِ بَالِغَةٌ مِنَ الْكَذِبِ مَا يَحْصُلُ مِنْهُ الْعَجَبُ. وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ


(١) - أخرجه التِّرْمِذِيّ (٥/٢٧٨) (٣٠٩٥) من حَدِيث عدي، والْحَدِيث حسنه الشَّيْخ الألباني - رَحمَه الله -.

<<  <  ج: ص:  >  >>