وَرَدِّهَا مَعَ الْعِلْمِ بِهَا.
أَمَّا مَنْ حَكَمَ بِغَيْرِ حُكْمِ اللَّهِ، وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّهُ مُرْتَكِبٌ ذَنْبًا فَاعِلٌ قَبِيحًا، وَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ الْهَوَى فَهُوَ مِنْ سَائِرِ عُصَاةِ الْمُسْلِمِينَ، وَسِيَاقُ الْقُرْآنِ ظَاهِرٌ أَيْضًا فِي أَنَّ آيَةَ {فَأولئك هُمُ الظَّالِمُونَ} فِي الْيَهُودِ لِأَنَّهُ قَالَ قَبْلَهَا: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالاٍّذُنَ بِالاٍّذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أنزَلَ اللَّهُ فَأولئك هُمُ الظَّالِمُونَ} .
فَالْخِطَابُ لَهُمْ لِوُضُوحِ دَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ كَمَا أَنَّهُ ظَاهِرٌ أَيْضًا فِي أَن آيَة {فَأولئك هُمُ الْفَاسِقُون} .
وَاعْلَمْ أَنَّ تَحْرِيرَ الْمَقَامِ فِي هَذَا الْبَحْثِ أَنَّ الْكُفْرَ وَالظُّلْمَ وَالْفِسْقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا رُبَّمَا أُطْلِقَ فِي الشَّرْعِ مُرَادًا بِهِ الْمَعْصِيَةُ تَارَةً، وَالْكُفْرَ الْمُخْرِجَ مِنَ الْمِلَّةِ أُخْرَى {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ} مُعَارَضَةً للرُّسل وَإِبْطَالًا لِأَحْكَامِ اللَّهِ فَظُلْمُهُ وَفِسْقُهُ وَكُفْرُهُ كُلُّهَا كُفْرٌ مُخْرِجٌ عَنِ الْمِلَّةِ، {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ} مُعْتَقِدًا أَنَّهُ مُرْتَكِبٌ حَرَامًا فَاعِلٌ قَبِيحًا فَكُفْرُهُ وَظُلْمُهُ وَفِسْقُهُ غَيْرُ مُخْرِجٍ عَنِ الْمِلَّةِ، وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأُولَى فِي الْمُسْلِمِينَ، وَالثَّانِيَةَ فِي الْيَهُودِ، وَالثَّالِثَةَ فِي النَّصَارَى، وَالْعِبْرَةُ بِعُمُومِ الْأَلْفَاظِ لَا بِخُصُوصِ الْأَسْبَابِ، وَتَحْقِيقُ أَحْكَامِ الْكُلِّ هُوَ مَا رَأَيْتَ، وَالْعِلْمُ عِنْد الله تَعَالَى.] (١) .
وَقَالَ أَيْضا - رَحمَه الله -: [قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ فَأولئك هُمُ الْفَاسِقُونَ} قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي النَّصَارَى، وَالَّتِي قَبْلَهَا فِي الْيَهُودِ، وَالَّتِي قَبْلَ تِلْكَ فِي الْمُسْلِمِينَ، كَمَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْكُفْرَ، وَالظُّلْمَ، وَالْفِسْقَ كُلَّهَا يُطْلَقُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ بِمَا دون
(١) - ٢/٩٠: ٩٣، الْمَائِدَة / ٤٤: ٤٧.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute